هبة زهير قاضي

تغيرت علينا

الثلاثاء - 02 أكتوبر 2018

Tue - 02 Oct 2018

الموقف الأول: تحكي لي إحدى صديقاتي عن ذهابها إلى محفل عام لتفاجأ بأن اثنتين من معارفنا القدامى حضرتا بمظهر مبهرج جدا ينافي كل أبجديات الحشمة. وقد تبنتا من الآراء ووجهات النظر ما يجعل عينيك تخرجان من مآقيهما. الصدمة كانت في دعوتهما بحماس إلى هذه الأفكار، والاعتراض على كل ما هو ضمن العرف حتى وإن كان إيجابيا.

الموقف الثاني: رجل من عائلة محافظة، متزوج ولديه أطفال في سن المراهقة. يكتشف عالم السوشال ميديا ويبدأ في الانخراط فيه والانشغال به والظهور كأب وزوج صالح. فجأة تتغير أوضاع حياته الخاصة ويقوم هو بالسماح باستعراضها وتداول تفاصيلها بطريقة غير لائقة. تكمن الصدمة في نشر ما المفترض أن سمته الخصوصية والستر أمام جموع العامة.

رغم أنني (أظن) شخص منفتح نوعا ما، إلا أنني لا أستطيع إنكار صدمتي حين رؤيتي لأشخاص أعرفهم منذ زمن وأجدهم فجأة يتغيرون تغيرات جذرية في أفكارهم، وأشكالهم وطريقة حياتهم. أتفهم جدا التغير التدريجي، وأتفهم أكثر التغير في قناعة، أو فكرة، أو سلوك أو اختيارات. لكن التغير الكامل والانسلاخ المفاجئ الذي يجعلك أمام شخص جديد بالكلية لا أعتقد أننا يمكن أن نسميه تطورا منطقيا، أو تغيرا طبيعيا.

حقيقة أؤمن أن الموضوع أكبر من ذلك بكثير. وأن الظروف النفسية والاجتماعية للشخص لها دور كبير في تحولاته الفكرية. فبناء على بعض الدراسات فإن الأشخاص غير السعداء ممن يعيشون ظروفا اجتماعية سيئة، أو تعرضوا للكبت وللصدمات النفسية، هم أكثر قابلية للتغيرات المتطرفة والسريعة من الذين يعيشون الاستقرار النفسي والاجتماعي.

كما أنني أؤمن أن الانفتاح تسبب في خلق أزمة هوية وجودية تفاقمت لتطال كل شيء، مسببة الرعب والغضب للمحافظين، والاندفاع وفرط الحركة للمتحررين، والتوجس والحيرة لمن بينهما، وهم الغالبية، خاصة مع غياب محتوى فكري يخاطب الحيرة ويطمئن التوجس.

لم أفكر كثيرا في الموضوع قبل أن أقرر أن أشارك مجتمع مواقع التواصل الاجتماعية هذا السؤال الأزلي: لماذا في رأيكم يكون التغيير أسهل على أناس من غيرهم رغم تشابه النشأة، والقيم والظروف؟ ودعوني أشارككم مجموعة من الردود المثيرة للاهتمام.

سحر «في رأيي إن بعض الأشخاص لديهم مبادئ ووعي من صغرهم ولذلك يتمسكون بها بغض النظر عن الظروف المحيطة. وبالمقابل هناك أشخاص يتغيرون جذريا بحسب الظروف المحيطة بغرض المواكبة دون الالتفات لأي مبادئ أو قيم».

مازن «لماذا لم تفترضي أن أفكارك أنت هي من اختلفت عنهم! السؤال هو لماذا حال ملاحظتنا للمختلف عنا نقول: الناس!! لماذا لا نبدأ بالقول إننا نحن من اختلفت أفكارنا عن الناس. لماذا ثم لماذا أتوقع أساسا أن أتفق مع كل الناس؟ لكل إنسان رأي حتى وإن اختلف معي، ولا أنا غلطان!» من الواضح أنه كان منفعلا قليلا.

حامد «بعض الأحيان يكون الشخص في صراع داخلي لتحديد هويته الذاتية. وكل مرة يجرب شكلا معينا أو تفكيرا معينا حتى يثبت على أسلوب يقتنع به، بينما يظهر للمشاهد أن هذا الشخص متقلب أو متغير، وليس له هوية أو مبدأ يتبعه».

بشار «سيدتي: 1- التربية. 2- الوازع الديني. 3- الاهتمام بالمظاهر والماديات. 4- تأثير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعية. 5- الأنانية ثم الأنانية ثم الأنانية».

ولكن الرد المميز الذي أعتقد أنه لخص كل ما سبق أجاب عن سؤالي، ويعطينا جميعا درسا جميلا، وهو ما كتبته أروى «أشعر أنه اختبار لمرونتي حين يتغير أناس أعرفهم فجأة. وأشعر أحيانا أخرى أنه امتحان لقيمي وقناعاتي، وأن تغيرهم هو جزء من تغير كل شيء حولنا. كما أنني أعتقد أن لكل منا رحلته ومرحلته العمرية الخاصة به. لكن المهم في النهاية هو أن نفهم أنفسنا»، لو أنكم ترونني وأنا أكتب الكلمات وأصفق لأروى في الوقت نفسه.

وأخيرا وجدت نفسي أرد عليهم جميعا حيث كتبت «ربما نحن بحاجة لإثبات أننا نمتلك حرية أن نكون ما نشاء، وبعدها نعود لنكون ما نريد فعلا، لما نرتاح أن نكونه، وما نحن عليه حقا».

hebakadi@