ياسر سندي

لماذا لا نستخدم السحر؟

الأربعاء - 29 أغسطس 2018

Wed - 29 Aug 2018

السحر وما أدراك ما السحر، والساحرون وما يستخدمون من أساليب لطمس أعين البشر وإبقائها في حالة انبهار دائم وذهول مستمر ليستتر عنها الحق بإبراز الباطل، والغرض من ذلك تغييب الساحر لعقل المسحور بسلوكه الكيدي وبكلمات وتمتمات إما للتسلية أو العبث أو لإحداث ما لا تحمد عقباه من التفريق، حمانا الله وإياكم من ذلك السحر غير المشروع، قال تعالى «ولا يفلح الساحر حيث أتى» طه الآية 69.

أما ما أود التحدث عنه هو السحر الحلال، وما يحدثه الساحر الإيجابي من سلوكيات حميدة ينشأ عنها التوفيق والتواصل والتوافق والتجانس والتآلف المجتمعي بين البشر بالكلمة المنطوقة، وفي رأيي الخاص إذا أردنا أن نطلق تعريفا لمعنى «الكلمة» في الأساس تعني محاولة طرح ما بداخل النفس وإسقاطه على الآخرين عن طريق عمليات عقلية وموصلات عصبية وخبرات معرفية متتابعة يقوم بترجمة ذلك اللسان للمساعدة في إخراج ذلك والتعبير عنه. وهنالك ثلاثة أطراف رئيسة لمثلث التواصل البشري الجيد، الأول المرسل، وهو الشخص الذي يريد أن يعبر عما بداخله، والطرف الثاني الرسالة، وهي محتوى الموضوع المراد التحدث عنه، والطرف الثالث المستمع «مستقبل الرسالة»، فهذه الأطراف الثلاثة تؤدي إلى إيصال الكلمة بين شخصين أو أكثر، وتعمل على إحداث التفاعل فيما بينهم بطريقة إيجابية، وهو ما يسمى الأثر اللاحق المحدث جراء هذه الكلمة المنطوقة.

فالكلمة إذا حملناها على مبدأ الإيجابية، والمفترض في علاقتنا أن تكون طيبة، لها أثر متعد ومريح على نفس المتلقي وعلى نفس المرسل أيضا، لما تحدثه من رد فعل عكسي يريح النفس، كما قال عليه الصلاة والسلام «والكلمة الطيبة صدقة» متفق عليه. ويعني بالصدقة هنا تزكية النفس من أدرانها وخبثها وما يلتصق بها من وساوس شيطانية تذهب بالإنسان وتخرجه من معايير الطيبة والفطرة السليمة التي خلقه الله عليها.

وتعزيزا لذلك، نذكر قوله تعالى في محكم تنزيله «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه» فاطر الآية 10، فالكلمة الطيبة تصلح عمل الإنسان وترفع درجاته وترقيه في الدنيا والآخرة، وإخراج الكلمة الطيبة من رفيع الأخلاق فهي تنمي العلاقات المجتمعية وتوطد الأواصر الأسرية وتقويها، وخير من يحتاج إلى هذه الكلمة الطيبة أهل المنزل ومن يسكن فيه، وأولهم الأم والأب والزوجة والأبناء، فهم بحاجة دائمة إلى وقود إيجابي دائم يدفعهم إلى بذل مزيد من الحب والحنان والبر والعطف والاحتواء والرومانسية والدلال، خاصة شريكة العمر، وذلك بتدليلها بأجمل العبارات والجمل والدلالات.

ومن وجهة نظري السلوكية أرى أنه على كل مسؤول وهو رب البيت مثل الزوج أن يبادر إلى إضفاء ثقافة الكلمة الطيبة وغرس جذورها ويعود عليها زوجته وأبنائه ومحيطه الأسري والعائلي والمجتمعي من آباء وإخوة وأخوات وأجداد وجيران وزملاء عمل وعابري سبيل. وأناشد أيضا الآباء والأمهات تحديدا بأن يحرصوا كل الحرص بالبعد عن الألفاظ المشينة في المنزل والصراخ والتشاجر، وعلى الزوجة أيضا مساعدة زوجها وفتح المجال في ذلك بالتعاون الطيب والتفاهم الراقي اللبق بأن يتشاركا في وضع أساليب وآليات لإطلاق الكلمات الطيبة، وتعويد الأبناء وتربيتهم بأسلوب النمذجة الوالدية المنقولة شفهيا، وأن يكون الزوج والزوجة على قدر كبير من الأخلاق حينما يشاهدهم الأبناء، وذلك على سبيل المثال بمناداة الأم بأحب الأسماء إليها، وكذلك الزوجة تنادي زوجها بكنية محببة لديه ليلتصق ذلك السلوك في أذهان الأبناء برؤية والديهم يقومون بإصدار ألفاظ طيبة ومحببة إلى النفس، فينشأ جيل متأصل بهذه العادات الجميلة من حسن الكلام وطيب المنطوق، ويجب ألا ننسى تدعيم الكلمة الطيبة في البيت دائما وابدأ بالكلمات السحرية Magic Words أثناء طلب أي خدمة أو تلقيها، وهي «شكرا والعفو، وإذا أمكن ومن فضلك، ولو سمحت وكلك ذوق» لما لها من أسلوب ساحر في أسر القلوب وتأليفها.

فالتربية الدائمة على إصدار الكلمات الطيبة والمحببة والتعود على بثها وتلقيها أيضا تعد سلوكا بشريا تبادليا راقيا إذا ما تم العمل بها وتداولها وتعميمها بين أفراد الأسرة الواحدة أولا، وتأسيسها بمفاتيح السعادة وكلمات السحر التي تفتح قلوب من حولنا وتسعدهم وتحببهم أكثر، لتستمر وتكون عادة أصيلة تنعكس إيجابا على سلوك الزوج والزوجة والأبناء، لبناء منزل زوجية مثالي بإذن الله تعالى، وتعم الثقافة المجتمعية في كل بيت ولكل شخص إيجابي يستطيع أن يكون ساحرا محترفا، ويستخدم سلوكيات وأساليب السحر الحلال في كلامه الطيب الجاذب ليفلح أينما كان وحيثما أتى.

@Yos123Omar