ياسر سندي

أعطني قلب طفل وسأعطيك إبداع عقل

الأربعاء - 04 يوليو 2018

Wed - 04 Jul 2018

من أجمل المراحل العمرية التي تغمر الأبوين والأسرة حبا ودفئا هي مرحلة الطفولة، ومن أبهج التصرفات العفوية غير المحسوبة هي تصرفات ما قبل المدرسة، ومن أرقى مراتب الإبداع والخيال الفطري للأفق غير المحدد بأطر فكرية ومنطقية هي إبداع الطفولة وابتكاراتها الشاطحة.

ومن أفضل السلوكيات الدالة على سلامة القلب، والتي تعكس بياض الروح ونقاء النفس والتي يستفيد منها من يدعون أنهم كبارا وذوو عقل أو من بلغوا سن الرشد وتشوهت أفكارهم ونفوسهم وقلوبهم ببراثن الحقد والكره والمكائد الدنيوية وخبث السنين وتراكمها النفسي هي الممارسات التي يصدرها الأطفال. جعلهم الله دوما وأبدا مرشدين وموجهين لنا للاقتداء بجمال روحهم وانطلاق أحلامهم وجمال إبداعاتهم وطيب حديثهم.

يمتاز النمو العقلي للأطفال ما قبل المدرسة بحدوث تغيرات واضحه، فمن وجهة نظر الدكتور الفرنسي «جان بياجيه» في علم النفس المعرفي، يمر النمو العقلي للأطفال من مرحلة السنة الثانية إلى السنة السادسة من العمر بما يطلق عليه مرحلة ما قبل العمليات Preoperational stage، وهي مرحلة الاستعداد النفسي والذهني التي تتميز بانبثاق عملية التمثيل العقلي وبدء ترابط الأفكار واندماجها ومحاولة تركيب الخيالات العابرة لديهم.

ويبدأ الأطفال في تنسيق الرموز التي تواجههم في عملياتهم العقلية، مثل الصور أو الجمل أو الشفرات الدلالية، ويبدأ التعامل بالصور الذهنية وبالرموز، كما يتناول الأفعال والتصرفات الصريحة الظاهرة، فنرى الطفل أحيانا يطلق تصورات من نسج خياله، وأحداثا يفتعلها، وقصصا يصوغها، وتبرز لديه حاسة تجميع المواقف والصور الخيالية، وهنا تبدأ مرحلة الابتكار والنمو الإبداعي الفطري، وهنا يبدأ الدور الوالدي والرعاية الأبوية من الأم والأب وتحفيز هذا الخيال وعدم احتقار أو الاستهزاء بما يصدرونه وما يفعلونه وأحيانا ما يقومون برسمه وتخطيطه عشوائيا على صفحات بيضاء أو بالرسم على الحيطان، وتبرز في هذه المرحلة زيادة الأسئلة غير المنطقية من الأطفال وتجاوزها لدرجة إزعاج من حولهم أحيانا، وهي طبعا دلالات للتفتق الذهني لديهم، ويبدأ أيضا اكتشاف العالم الاجتماعي من حولهم مثل البيئة والجيران والعلاقات الأسرية وحفظ دور وترتيب كل شخص في أسرته وصلة القرابة، وفي هذه المرحلة يبدأ الخزن المعرفي للأحداث، وهي طبعا كل ما يتلقاه ممن حوله وهم الوالدان والإخوة، فيجب الحرص أن يكون كل ما يستقبله خيرا وطيبا من قول وعمل ونمذجة حتى لا تتشوه لديه الصور الفطرية المخلوق بها من الله.

من وجهة نظري السلوكية الخاصة فإن الإبداع عند الأطفال يكمن في ثلاث ركائز أساسية:

أولا، الإبداع الفطري تجاه الآخرين ، وهو ما يضعه لله عز وجل في نفسية وطباع وروح الأطفال منذ ولادتهم، فيولدون على الفطرة السليمة الحسنة الرحيمة التي لا تشوبها شائبة ولا حقد ولا ضغينة، فبكاء الأطفال عفوي وابتساماتهم غير محسوبة وضحكاتهم غير مقننة، لا يحملون غلا ولا ضغينة في قلوبهم، قد يقعون في إشكال جراء لعبهم العفوي غير المقصود، لكنهم سرعان ما يعودون للعب مجددا، فهي خلقة الله وصنعه الفطري ليكونوا أطفالا ذوي إبداع خلقي رحيم، نتعلم منهم نحن الكبار دروسا في التعامل فيما بيننا في البعد عن العداء والكراهية وتوغير النفوس ضد الغير، قال عليه الصلاة والسلام «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه».

ثانيا، الإبداع السلوكي في التعاطي مع الغير، فالتعامل مع الأطفال رحمة ووجودهم في البيت مدعاة للفرح وبث روح الفكاهة والمرح، والتصرف بعفوية وإصدار الأصوات أو الاختباء وحتى ما يفعلونه من إيماءات سواء تدل على الحزن أو الابتسامة هي إبداع طفولي راق يشعرنا بعظمة الخالق والمخلوق.

ثالثا، الإبداع الفكري في رسم الخيالات وسرد القصص وتأليف المواقف، فالأطفال لديهم مخزون غير طبيعي وغير منظم من الإبداعات القصصية، ففي دول مثل اليابان وأمريكا لديهم مدارس ومعاهد لرعاية الإبداعات من خلال حديث الأطفال، وهنالك متخصصون يحملون شهادات عليا في الماجستير وتخصص علم النفس المعرفي والإبداعي وظيفتهم الرئيسة توفير المكان والبيئة والغذاء الصحي الملائم وأيضا تطبيق نظام الملاحظة غير المركزة عليهم عن طريق الكاميرات، وفتح حوارات تلقائية متبادلة لاستنباط المعرفة الإبداعية الفطرية الكامنة التي لم تشوه بعد عن طريق تسجيل السرد القصصي للمواقف والرسومات والكتابات.

هذه قلوب الأطفال بيننا نظيفة ونقية وهبنا إياها المولى عز وجل لنتعلم منها سلامة القلب وطهره وعفوية السلوك ومتعته وإبداع العقل ومخزونه.