طلال منصور الذيابي

الاقتصاد الإسلامي وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة

الجمعة - 29 يونيو 2018

Fri - 29 Jun 2018

يعد اكتفاء أفراد المجتمع والوصول إلى الرفاه والاستقرار الاقتصادي هدفا لصانعي السياسات ومتخذي القرار في الدول، من خلال الحرص على زيادة الناتج وخلق مزيد من فرص العمل، بعيدا عن نطاق ما هو متعارف عليه في قطبي العمل (الحكومي والخاص).

وخلال العقد الأخير برز الاهتمام بظاهرة اقتصادية عالية الكفاءة، وبرزت معها العديد من الآثار الإيجابية على مستوى الاقتصاد المحلي، وهي المشروعات الصغيرة والمتوسطة. فبحسب التقارير الإقليمية والدولية لبعض المنظمات كصندوق النقد العربي والبنك الدولي للتنمية تمثل تلك المنشآت 90-98% من عدد الشركات المسجلة في القطاع الخاص في معظم الدول، محققة ما يزيد على 80% من الناتج المحلي، وتوليد فرص عمل من 60-80% من إجمالي وظائف القطاع الخاص، ولا تقف أهميته عند هذا الحد، بل تتعداه إلى التجارة الدولية من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، ففي تقرير صادر عن منظمة الأونكتاد فإن للمنشآت الصغيرة والمتوسطة دورا بارزا في رفع حصة منطقة آسيا من الاستثمارات الأجنبية لأكثر من 10%.

وبالنظر لواقع قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة نجد أنه على الرغم من أن اقتصادها من أسرع الاقتصادات نموا، إلا أنه أظهر تباطؤا في مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فهو يشكل 93% من إجمالي الشركات المسجلة في القطاع الخاص ولم يتجاوز نصيبه من المساهمة في الناتج المحلي 20%، وتوفير 25% فقط من فرص العمل.

لذا فقد أدرك صانع السياسة في المملكة تلك الأهمية وذلك الواقع، فأولاه اهتمامه المتجسد في جعله أحد مرتكزات التنمية الاقتصادية، وعده إحدى الفرص المثمرة في رؤية المملكة 2030، وكانت بداية الخطوات العملية بإنشاء الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة كجهة اعتبارية جعلت أولى مهامها في هذه المرحلة مراجعة الأنظمة واللوائح وإزالة العوائق، وتسهيل الحصول على التمويل، في خطوة نحو حوكمة القطاع، وصولا إلى أفضل الممارسات، ليسهم بكل فاعلية في تحقيق الرؤية، وأتبع ذلك بتشخيص ما يعانيه القطاع، ومن أهم ذلك صعوبة الحصول على التمويل الذي لم يتعد 5% مقارنة بالمعدل العالمي للدول المتقدمة المقدر بـ 18%، وكون قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة محركا غير تقليدي في التنمية الاقتصادية تلزمه أساليب تمويلية مبتكرة وغير تقليدية، وهو ما يتوفر في الأدوات التمويلية الإسلامية، فالاقتصاد الإسلامي زاخر بصيغ التمويل التي من أشهرها (المرابحة، والمشاركة، والمشاركة المتناقصة، والمضاربة، والاستصناع، والمزارعة...)، وتتميز تلك الأدوات والصيغ الرأسمالية بالكفاءة والأمان التمويليين نظرا لطبيعتها وأهدافها المختلفة كليا عن صورة التمويل التي تمنحها البنوك التجارية في شكل ائتمان، عبر خلوها من عامل الفائدة المثبط للاستثمار، واعتمادها مبدأ المشاركة الذي يضمن تحقيق العوائد لكلا الطرفين، إضافة إلى الاهتمام بنوعية المشروع وجدواه الاقتصادية والاجتماعية وما يحققه من نفع وتغليب المصلحة العامة في إطار الشريعة الإسلامية.

ولعل تجربة البنك الإسلامي للتنمية من خلال المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص خير مثال على أهمية صور التمويل الإسلامية في تحقيق التنمية المتوازنة في الدول التي أسهمت في تمويل القطاع الخاص بها. ونحسب أن تجربة البنوك في المملكة في مجال الخدمات الإسلامية قد وصلت إلى مرحلة تستطيع من خلالها أن توجد من التطبيقات لصور وأساليب التمويل ما يكفل تخطي عقبة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ساعية في ذات الوقت إلى تبني تلك المشروعات ورعاية أصحابها، فستضمن إلى جانب العوائد اقتصادا حقيقيا معتمدا على نتاج وإنتاجية أبنائه.

الأكثر قراءة