الإنسانية لا دين لها

الاثنين - 04 يونيو 2018

Mon - 04 Jun 2018

قبل أيام ظهرت صورة من صور الإنسانية التي غرسها الخالق في البشر، وتلخصت في ذلك الشاب المسلم الذي ينتمي إلى دولة مالي الإسلامية، مامادو جاساما أو محمد جاساما، والذي هاجر إلى فرنسا بعدما ضاقت عليه الحيل وسبل العيش في دولته الفقيرة والمليئة بالإنسانية، فالفقر لا يسلب المرء إنسانيته التي جبله الله عليها.

ولقد رأى العالم بأسره كيف تسلق الشاب ذو الـ 22 عاما البناية التي تدلت طفلة من إحدى شرافات أدوارها، وفي أقل من دقيقة وصل إلى الطفلة وأنقذها من السقوط والموت المحقق. سبحان إن لله، أمور يقف الإنسان الضعيف أمامها متعجبا، وألطاف الله تأتي في أوانها وتجعل الإنسان يتساءل أي توفيق جعل ذلك الشاب وفي ذلك التوقيت يتواجد في تلك اللحظة المهيبة وأي قدر ساقه إلى ذلك المكان، سبحان الله الذي يدبر الأمور.

نعم تسلق الشاب لينقذ الطفلة، لم يفكر في أنه ربما سيسقط هو قبل أن يصل إليها. وقد قال «ولأنني أحب الأطفال هرعت إلى إنقاذ الطفلة».

نعم بمجرد أن رأى المنظر تحركت فيه إنسانيته التي جعلت فرنسا بكل قوتها وما فعلته في بلده الفقير على مدى عقود وهي تسلب تلك الدولة مواردها وتعيش عليها في حين يتضور سكانها جوعا ويبحثون عن لقمة عيش ويتجشمون المخاطر في قطع الصحراء الكبرى ومن ثم ركوب البحر ولا يعلمون أيصلون إلى غايتهم ومبتغاهم أم يحول الموت والضياع بينهم وبين الوصول، تظهر ضعفها، وأن ذلك الفتى الذي جاء من دولة قد استعمرتها لعقود لا ليثأر منها، بل لينقذ أطفالها، وكأني بفرنسا قد أصابها الخجل من فعل ذلك الشاب الشهم، وكان لا بد من أن تظهر خجلها، حيث استقبل الرئيس الفرنسي ماكرون ذلك الشاب ومنحه الجنسية الفرنسية ونظمه في سلك مصلحة الدفاع المدني الفرنسي لأنه المكان الملائم والمناسب الذي يجب أن يكون فيه ذلك البطل.

الحمد لله أنه مسلم، ليضرب لأولئك القوم مثلا بأن الإسلام ما زال يخرج للبشرية أبطالا ينقذون حتى الذين لا ينتمون إلى دينهم وعقيدتهم، بل ويظهر كم هم متسامحون مع الذين أذاقوهم الويلات والفظاعات ولا يزالون. وأرجو أن تجلس فرنسا مع نفسها وتراجع بعض سياساتها تجاه تلك الدول بل تجاه الإسلام بعامة، ولتعلم وليعلم كل من يظن أن الناس إنما ينتمون فقط إلى بلدانهم، وأن ولاءهم فقط لدولهم وشعوبهم وقوميتهم، أن القضية هي أن البشر يضعون في المرتبة الأولى الإنسانية التي تتحرك فيهم بمجرد أن يناديهم أحد، فإذا بالنفس تستجيب من فورها، بل إنها لا تفكر في المخاطر التي تنتج أحيانا عن تلبية داعي الإنسانية والآدمية، فالله خلق الناس وطلب منهم أن يتآخوا ويتعارفوا لفائدة الإنسانية جمعاء، وهذه دروس تظهر بين حين وآخر ليعود الناس إلى الفطرة السوية ويلقوا بتقلبات السياسة جانبا.

هذه الحادثة أعطت درسا بل دروسا لكل اليائسين الذين يظنون أن الحياة لا يمكن أن تجود لهم إلا بالصعاب،دروسا تقول لنا إن ما بين لحظة وأخرى يغير الله من حال إلى حال، فقط ثقوا بالله ثم بما لديكم من قدرات قد منحها الخالق لكم، وبأنكم خلقتم لتكونوا خلفاء الله في الأرض بالإنسانية، بالحب بالسلام بالتعايش المشترك مع كل أفراد هذا الكوكب الذي يجمعنا كبشر على اختلاف ألواننا وجنسياتنا وإثنياتنا ومشاربنا، ولكن أساسنا من أب واحد وأم واحدة.