هل يكون العام الهجري الجديد آخر عهد بالبناء الحالي لمكتبة مكة المكرمة؟!

قف بالجوار، ويمم نظرك صوب البناء البسيط، فليس هناك مكان أدق تحديدا منه؛ بعد الآيات البينات في البيت العتيق، والمشاعر المقدسة، في كل جبال وادي إبراهيم الخليل وبطاح مكة المكرمة.
في هذا المكان بدأت قصة الإسلام خاتم الأديان السماوية، وفيه ولد خاتم الرسل والأنبياء، ومنه شع النور الذي يؤمن به خمس سكان العالم اليوم.

الاسم "مكتبة مكة المكرمة"، والشهرة موقع المولد النبوي، والعنوان بالنصوص والتواتر، أشهر من أن يُعرّف، فهو المبنى التاريخي الوحيد والباقي فوق جبين تلة شرقية ناهدة تتنازعها إلى اليسار واليمين سفوح جبلي أبي قبيس وخندمة، كانت تعرف تاريخيا بشعب بني هاشم، والذي أزيل كلّ ما حولها (شعب علي) لمصلحة مشروع مصطبات وتوسعة الساحات الشرقية للمسجد الحرام، وموقعه قائم حتى اليوم.

هذا المبنى القديم، هو الوحيد الذي لم تبن فيه دورة مياه قط تعظيما لرمزيته ولم تمسه يد التجديد والترميم طوال 64 عاما منذ آخر بناء له بأمر وتعضيد من الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود في 1951، والذي حرص على تحويل موقع المولد لمكتبة علمية ووجه بجعلها وقفا بصك شرعي صادر عن المحكمة الشرعية الكبرى.
وكلما اكتمل مخطط وتصميم جديد، ظهرت عوائق تمنع تحقيقها على أرض الواقع.
ولعل في ذلك حكمة لا يعلمها إلا الله، والراسخون في العلم.

بيد أن كل المؤشرات الحالية تنطق بأن عناية سامية خاصة سوف يحظى بها الموقع الشريف خلال الشهور وربما السنوات القليلة المقبلة، بعد اكتمال أحدث مخططاته وتصاميمه الهندسية الجديدة، ليكون بحق علامة بارزة ضمن نسيج عمارة البيت العتيق وعناصره المرتبطة به.
وتلك قصة أخرى.

_________________
كتب ومخطوطات نادرة
تتبع مكتبة مكة المكرمة إداريا إلى وكالة الأوقاف التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية.
وهي التي تشرف عليها وعلى مكوناتها من الكتب والمخطوطات النادرة التي تتجاوز 134 ألف عنوان.
ويعمل فيها اليوم بضعة موظفين يتناوبون العمل فيها صباحا ومساء.

وللتاريخ، لم يرصد قيام كبار المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية بزيارة مبنى المكتبة، لتلمس احتياجاته كسائر المساجد والأوقاف التابعة لها في السعودية، والعمل على تحديث أنظمته كمكتبة تاريخية لا سيما حفظ كنوزها من الكتب وذخائر المعرفة ومخطوطاتها النادرة والتي تصل إلى نحو 4 آلاف مخطوط يعود أقدمها إلى القرن الثاني الهجري، وأن كل تجديد له ـ كما هو مشاهد ـ لا تتجاوز بعض التحديثات البسيطة والشكلية لا أكثر.

أول ما يلفت المشاهد للمبنى من خارجه، عدم توفر حراسات أمنية كسائر المكتبات المماثلة، وتنظيم هيكلها الإداري والوظيفي لزيارته كمكتبة عامة للراغبين من ضيوف الرحمن والزوار.

_____________
الأخطار المهددة للمبنى
يتعرض لعدة أخطار تتعلق بسلامته وحفظه منها:
1- حالة عدادات وكيابل الكهرباء الخاصة به تنذر بالخطر من كثرة ما تتعرض للاعتداء وسرقة التيار الكهربائي.

2- تبدو أسلاك وتمديدات عشوائية كحبال الغسيل لجهات أخرى لا علاقة لها بالمبنى ووظائفه.
الأمر الذي يهدد سلامته وتعريضه للحريق.

3- يخلو من أي نظام لمكافحة الحريق.

4- عدم تجديد طفايات الحريق والتي انتهت صلاحية استخدامها منذ ثلاث سنوات مضت، ولم تجدد حتى اليوم.

__________
أمور تحتاج لوقفه:
1- اللوحات التعريفية للمكتبة، لا سيما اللوحتان القديمتان، والتي تم وضعها فوق سطحها في 1398هـ قديمة جدا وحالتها ظاهرة للعيان حتى الآن للناظر من ساحة الحرم الشرقية، أو من خلف المبنى للخارج من أنفاق جبل خندمة.

2- معظم أجزاء اللوحتين العلوية مكسرة وذائبة من تأثير العوامل المناخية والأمطار والتعرية والصدأ بعد مرور نحو 38 سنة على وضعها من دون صيانة أو تجديد.

3- فيما تبدو اللوحة التي تعلو مدخلها الرئيس مغبرة ومتآكلة وبالكاد ترى، على عكس اللوحات الإرشادية المنتشرة على جسم الحوائط الغربية للطابق الأرضي والتي تجددها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باستمرار، لتوعية الزوار بما يجب عليهم فعله عند زيارة الموقع وبعدة لغات أيضا.


تجديد الفرش والتكييف
عندما تدلف إلى داخل مبنى المكتبة الآن، تبدو متغيرات جديدة ومشجعة لتحسين ظروف العمل في غرفها وقاعاتها، بعد سنوات من النسيان.
فقد تم أواخر العام الهجري الماضي تحديث لوحدات تكييف وتهوية الغرف والقاعات وبدت في حال أفضل من السابق، بعد تجديد الوحدات القديمة (17 وحدة تكييف) والتي مضى عليها أكثر من 35 عاما بلا تغيير.
كما تم أخيرا تجديد سجاد وفرش الأرضيات بعد أن كانت حالة سابقتها بالية، ورفع طلب لتجديدها منذ سنتين، وتم التعميد بالتجديد في ميزانية العام الهجري المنصرم.


____________
ثلاثة آلاف مخطوطة بلا حراسة أمنية
كنوز المكتبة مخبوءة في قسم المخطوطات لجميع أصول أمهات الكتب في المذاهب الفقهية المختلفة والتي تضم نحو ثلاثة آلاف مخطوطة تعاني من:
1- غياب الحراسة الأمنية.

2- ضيق المكان فهي موزعة في غرفة ضيقة لا يتجاوز أبعادها تسعة أمتار مربعة فقط، وفي وضع بائس، يحرسها باب حديدي تم تركيبه أخيرا.
خاصة بعد أن تم إخلاء مبنى المكتبة لشهور طويلة خلال عمليات إزالة شعب علي لمصلحة المصاطب المتدرجة في جسم جبل خندمة.

3- تم خزن نسخ منها وحفظها الكترونيا بالأجهزة القديمة المتاحة.

4- لا يوجد في المكتبة من هو متخصص في علم المخطوطات وطرق حمايتها بالأساليب العلمية الحديثة.
غير أن مديرها الحالي يوسف الصبحي يملك الخبرة والمهارة اللازمة والإخلاص في الحفاظ عليها بما يتوفر له من إمكانات متاحة.

5- معظم المخطوطات وبينها نحو 40 مصحفا بخط اليد تحتاج إلى ترميم وتنقيح وتهوية.

6- تحتاج إلى برادات لحفظها من التلف والهلاك وحمايتها من ظروف التخزين غير المناسبة، وحرارة الطقس وتقلب الظروف المناخية طوال العام في مكة، ومنع تسلل القوارض والحشرات والآفات الأخرى إليها.


مركز هيئة للتوجيه والتوعية
إلى يسار المدخل الرئيس لمبنى المكتبة أقام فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أرض تابعة لملكية المكتبة مركزا للتوعية والتوجيه لزوار موقع المولد النبوي.

ويعد المركز أكثرها نشاطا وإقبالا، وهو آخر المراكز التوجيهية الستة التي أنشأتها الهيئة عند أهم المواقع النبوية بمكة المكرمة في كل من:
- جبل غار ثور
-جبل النور غار حراء
-مقبرة المعلاة
-ميقات عمرة النبي في الجعرانة
- سفح جبل الرحمة في مشعر عرفة.


قصة إنشاء المركز
وتعود قصة إنشاء المركز الملاصق لمبنى المكتبة إلى 1428هـ:
1 - طلب مسؤولو فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خطاب لفرع وزارة الشؤون الإسلامية عن رغبتهم في وضع مكتب خشبي صغير (جاهز ومسبق الصنع) لغرض توعية الزوار خلال فترة موسم الحج فقط، وتوزيع المنشورات عليهم وتمت الموافقة على ذلك.

2- بعد إنشاء المكتب الخشبي وبدء العمل فيه جاءت لجنة من مسؤولي الهيئة لمعاينة موقع مركز التوجيه، وقاموا بالطلب من الرئاسة العامة لشؤون الحرم المكي والمسجد النبوي بتثبيت الموقع الجديد لمصلحة فرع الهيئة المحدث.

3- حصل مسؤولو فرع الهيئة بمنطقة مكة المكرمة على موافقة بذلك من مسؤولي الرئاسة في 1433هـ الذي أكد لهم أن موقع مركز التوعية تابع للرئاسة، لا وزارة الشؤون الإسلامية، كونه خارج المكتبة وفي أرض تتبع لإشراف رئاسة الحرمين في الساحة الشرقية للمسجد الحرام.

4- سارعت الهيئة إلى إقامة مبنى التوجيه والإرشاد الحالي بصفة دائمة، بعد أن تضاعفت مساحته، وجعل من ظاهر حوائط مبنى المكتبة موقعا لتركيب لوحات ضخمة لما يجب وما لا يجب فعله عند زيارة موقع المولد النبوي الشريف.

والغريب، واللافت أيضا، أن نشاط وعمل مركز التوجيه والتوعية طغى على وظيفة المكتبة والموقع وكأنه هو الأساس وبات يستخدم حوائط المبنى للتعريف بجهوده وتوزيع المنشورات والكتيبات التوجيهية.
مع مفارقة أن جميع أدبيات ومصادر المؤسسة الدينية ومنها هيئة الأمر بالمعروف تنكر صحة نسبة هذا الموقع تحديدا، وتنفي أنه يعود إلى مكان ولادة السيدة آمنة بنت وهب للنبي الخاتم.

ورغم كل ما سبق، لا تزال المكتبة تشرع أبوابها للزوار والباحثين حتى اليوم، وفي فترتين رسميتين هما:
- الأولى: من 8 صباحا حتى الواحدة ظهرا
- الثانية تبدأ عصرا من 5 وحتى التاسعة مساء.

وتدار اليوم من 3 موظفين فقط صباحا ومثلهم في الفترة المسائية تحت إشراف ومتابعة مدير المكتبة.