قطار لا يعرف التوقف

في تبسيط قد يبدو مقبولا، من الممكن أن نقول بأن القطار هو علبة مغلقة تسير على قضبان

في تبسيط قد يبدو مقبولا، من الممكن أن نقول بأن القطار هو علبة مغلقة تسير على قضبان

السبت - 20 ديسمبر 2014

Sat - 20 Dec 2014

في تبسيط قد يبدو مقبولا، من الممكن أن نقول بأن القطار هو علبة مغلقة تسير على قضبان.
وداخل تلك العلبة قد تحدث مغامرات كثيرة.
كان البريطاني «لورد هاليفاكس» حاكما للهند أواخر العشرينات، وقد استقل القطار ذات يوم من «لندن» لمدينة «باث» في الجنوب الإنجليزي، وتصادف أن جلس في العربة مع سيدتين مسنتين لم ينطقا بكلمة طوال الرحلة.
وقبيل الوصول بقليل، مر القطار بأحد الأنفاق، وحينئذ وضع «هاليفاكس» ظهر يده على شفتيه وأصدر صوت قبلات عالية، وبعد دقيقة خرج القطار من النفق ووصل إلى وجهته، فوقف صاحبنا وقال قبل أن يخرج من العربة: «من منكما صاحبة هذا الفضل علي؟»، ثم غادر تاركا السيدتين تنظران إلى بعضهما في ذهول.
وصلت تلك القصة لأمريكا فتم تعديلها وأصبحت تُحكى عن شاب أمريكي جلس في عربة قطار مع فرنسي وسيدة مسنة وشابة جميلة، ومر القطار بنفق، وعم الظلام، استمع الجميع لصوتي قبلة وطرقعة صفعة.
خرج القطار من الظلام، فبدا وجه الفرنسي أحمر بفعل الصفعة، فقالت السيدة العجوز لنفسها: «يالها من شابة محترمة، حاول الفرنسي تقبيلها فأخذ جزاءه فورا».
وقال الفرنسي لنفسه: «هذا الوغد الأمريكي حاول تقبيل الفتاة وتلقيت أنا الصفعة».
أما الشابة فأصابها الذهول وحدثت نفسها قائلة: «لماذا يحاول الفرنسي تقبيل تلك العجوز ويتركني أنا؟».
أما الشاب الأمريكي فقد ابتسم وقال لنفسه: «أنا حقا داهية، قبلت كف يدي ثم صفعت هذا الفرنسي اللعين على وجهه».
للقطار مكانة كبيرة في وجداننا ولذلك نربطه بأمور مهمة فنقول مثلا: «قطار العُمر» و»قطار الزواج»، لا يحدث هذا مع الطائرة أو التاكسي مثلا، وحتى من يتحدثون عن «عربة العُمر» فهم يقصدون عربة قطار؛ من الواضح أن سير الحياة باتجاه واحد على قضبان هي فكرة تستهوي الجميع.
وحين يحقق أحد الفرق الرياضية الفوز لمرات نتحدث عن «قطار الانتصارات»، وهو غير «قطار المشاعر المقدسة» وهو المشروع السعودي الواعد الذي يربط مدينة مكة المكرمة بالمشاعر المقدسة.
.
ونلاحظ أنه في الدول النامية لا يوجد قطار للعمر بل يوجد قطار لأخذ العمر.
أما «قطار التقدم» فهو قطار سريع لا يعرف التوقف، قد نتعلق به كمتطفلين، أو نتسطح فوقه، أو ندخل إليه بلا تذكرة وندفع الغرامة.
فأي دولة قد تشتري التكنولوجيا لكنها إن لم تمتلك الثقافة الموازية، فستصير التكنولوجيا لعنة؛ فيتحول الموبايل لأداة معاكسة والانترنت مصدرا للإباحية وهكذا.
وإن كان للتقدم قطار، فللحضارة ركاب، فنقول «ركاب الحضارة»، وهو يضم أعضاء لكل منهم حيزه الخاص.
فمتى يكون لنا مكان في هذا الرِكاب، أو عربتنا في ذاك القطار؟