التقارير السنوية للجهات الحكومية.. والشفافية المفقودة

في نهاية كل عام مالي ترفع الأجهزة الحكومية تقارير عما حققته من إنجازات، وما واجهته من صعوبات، والمقترحات التي يمكن أن تساعدها في تجاوز تلك الصعوبات

في نهاية كل عام مالي ترفع الأجهزة الحكومية تقارير عما حققته من إنجازات، وما واجهته من صعوبات، والمقترحات التي يمكن أن تساعدها في تجاوز تلك الصعوبات

الخميس - 08 أكتوبر 2015

Thu - 08 Oct 2015



في نهاية كل عام مالي ترفع الأجهزة الحكومية تقارير عما حققته من إنجازات، وما واجهته من صعوبات، والمقترحات التي يمكن أن تساعدها في تجاوز تلك الصعوبات.

وتصدر التقارير السنوية للقطاعات الحكومية، وشبه الحكومية بصيغتين، أما أن تتحدث بلغة الأرقام والإنجازات التي لا تكذب، أو تصدر بصيغ سردية ووصفية تتحدث عن عموميات، وكلام إنشائي غير مقنع، ولا يرتبط بالواقع المعاش.

هذا هو حال معظم التقارير الحكومية، وتقارير بعض الهيئات والمؤسسات العامة، إلا ما ندر.

التقارير التي اطلعت عليها لم أجد فيها شيئا يمكن أن يثري شغف الباحث عن المعلومة الصحيحة، فمعظم هذه التقارير لا تتعامل بشفافية مع واقعها، وتحاول تقديم معلومات مضللة، أو تضخيم إنجازات ضعيفة لا ترقى لحجم الهالة التي أحيطت بها، والبعض الآخر منها يعاني من التكرار والنمطية.

لو عدت إلى تقارير تلك الجهة قبل خمس أو عشر سنوات لوجدتها مشابهة لأحدث تقرير سنوي قدمته تلك الجهة مع اختلاف بسيط في الأرقام والسنوات وعدد الصفحات.

يضاف إلى ذلك كله اختفاء لغة الاعتراف بالتقصير من قبل هذه الجهات في التقارير، فبعض هذه التقارير تتحدث عن إنجازات لا توجد على أرض الواقع، والبعض الآخر يلقي باللائمة في إخفاقاته على طرف ثالث، وإن كان دور ذلك الطرف لا يتجاوز 15%، وبين هذا وذاك تعاني من ارتباك في سلامة اللغة والصياغة.

ولذلك كانت لغة النقد لهذه التقارير حاضرة لا تغيب.

قبل سنتين، تحديدا في سبتمبر 2013، انتقد مجلس الشورى تقارير بعض الجهات الحكومية، ووصف معلوماتها بالضعيفة، وأنها تخلو من بعض المعلومات المهمة، وتفتقد الشفافية، وأن هذه التقارير لم تقدم إيضاحا تفصيليا لأسباب الخلل وضعف الأداء، ورغم ذلك لم يحدث أي تغيير أو تطوير في تلك التقارير، بل بقيت على نمطيتها السابقة.

هذه الانتقادات تكشف خللا كبيرا لدى مسؤولي الجهات الحكومية، وعدم دراية أو اكتراث بأهمية تلك التقارير في دراسة وتقويم أداء الأجهزة الحكومية، وأن هذه التقارير يعتمد عليها عالميا في بناء مؤشرات الأداء الحكومي، وجودة خدماته.

ومن تجربة وخبرة شخصية وجدت أن أهم تحد يواجه التقارير الحكومية إجمالا هو غياب المعايير العلمية والمنهجية الواضحة التي تحكم إعدادها.

وغياب هذه المعايير له أسبابه، منها البيروقراطية الإدارية التي تمارس «هكذا وجدنا آباءنا يفعلون»، التي لا تقبل التحديث والتجديد، وأن وجد من يقبل التجديد والتحديث في تلك التقارير غاب المتخصص الذي لديه القدرة على ترجمة هذه الرغبة في إطار تحليلي علمي يضع هذه المعلومات في قالب صحيح يضمن تكامل أركانها، ودقتها في صياغتها.

يضاف إلى ذلك غياب ورش العمل المتخصصة التي تناقش معايير وجودة التقارير الحكومية، وآليات عملها ووقتها، وتركها لاجتهادات موظفين غير متخصصين في الجهات الحكومية.

مما سبق، يمكن القول إن التقارير السنوية التي تصدرها الجهات الحكومية فقدت كثيرا من مصداقيتها وشفافيتها، ومعلوماتها ومؤشراتها لا تعكس الواقع، وإن البحث عن بديل مناسب يعتمد عليه في بناء مؤشرات الأداء الحكومي، ويقيس إنتاجية وفاعلية المنظمة أصبح ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.

قد يكون البديل المناسب مركز قياس الأداء الحكومي الذي تم إنشاؤه في يوليو 2008 لتولي قياس معدلات الإنتاج الحالية للأجهزة الحكومية بشكل دوري، واستخدام نماذج معيارية تعطي نتائج توضح مستوى إنتاجية وفاعلية أنشطة الجهاز الرئيسة، إلى جانب قياس معدلات التغير في إنتاجها، وإجراء المقارنة بين أداء فروع الجهاز الحكومي الواحد من حيث الإنتاج والفاعلية وإعداد تقارير عن ذلك، وإيجاد قاعدة بيانات حول الأداء الحكومي تكون مصدرا للموضوعات البحثية الاستشارية في المعهد والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة، وإرساء دعائم «بطاقة الأداء المتوازن» في الأجهزة الحكومية لضمان استمرارية تدفق البيانات الموضوعية رغم ما يعانيه المركز من ارتباك في الرؤية وبطء في الإنجاز.

على أية حال، معاناة المركز من التأخر في إنجاز المرحلة التنظيرية التي تركز على تحديد المؤشرات والمعايير والمنهجية لا تقلل من فاعليته كبديل للتقارير الحكومية، لأنه، وهذا هو المأمول منه، سيقدم عملا أكثر شفافية ومصداقية من واقع تقارير الأجهزة الحكومية الحالية.