الملك عبدالعزيز وأول درس في الجغرافيا السياسية
الاثنين / 4 / صفر / 1442 هـ - 18:15 - الاثنين 21 سبتمبر 2020 18:15
كان العالم العربي كله في حالة غليان، تضاف إليها حالة الفوران عند القوى الدولية المتصارعة. هي لحظة مخاض للمنطقة والعالم، وللمنطقة العربية لحظة انتقال من العهد العثماني الطويل في صفحات التاريخ، الممتد لأكثر من خمسمئة عام، بكل ما يحمله من تراث وسياسة واقتصاد، إلى عصر ما بعد الحرب العالمية الأولى.
نحن في عام 1902، عام ولادة إرادة عربية من بطن الجزيرة العربية، ونعي خلافة وإمبراطورية عند الباب العالي في إسطنبول. أما للعالم، فهي ولادة نظام دولي جديد، ومعه دول عظمى جديدة.
لم يعد الباب العالي لبعض العرب كبيرا، لا في الحكم ولا في النفوذ. ومنذ الانقلاب الدستوري في إسطنبول على يد جمعية الاتحاد والترقي عام 1908، برز وجه العسكر التركي أكثر فأكثر.
هي حقبة مليئة بالصخب السياسي والتحولات الاجتماعية، أفكار وتيارات تتطاحن فيما بينها، وبالدم على مسرح الصراع الدولي، المسرح هو كل أراضي رجل أوروبا المريض: السلطنة العثمانية.
على الأثر تعرضت المنطقة العربية لحروب متعددة، مفرزة خطوط تماسّ لم تكن مألوفة لسكانها، في الشام ومصر والعراق والحجاز تفرقت بين فريقين سياسيين، فريق أراد للخلافة الاستمرار، وفريق يريد الاستقلال عنها.
ثم انطلق رجال من الغرب يرسمون حدودا بألوان عرقية ودينية، وبفرشاة المصالح على أرض العرب، ليسجلوا أسماءهم في صفحات التاريخ، منهم: لورانس ومكماهون، ووايزمان، وبلفور، وسايكس وبيكو. ولكي لا ننسى الليدي غيرترود بيل، ليزيح المشروع الستار عن صراع سياسي يؤدَّى على مسرح أوروبا. إنها إرهاصات الحرب الكونية الأولى.
انتفض العرب وتحركوا، ثورة في النيل لتلحقها ثورة الحجاز يقودها شريف مكة، وبطريرك الموارنة في جبال الأرز يتفاوض مع الفرنجة على استقلال لبنان الكبير، كلّ يدفع باتجاه، ومشروع الاستقلال المزعوم يدفعهم في التوجه نفسه؛ إسقاط الدولة العثمانية، هي لعبة الأمم التي أرخت بظلالها من وسط آسيا في أفغانستان مرورا بالشرق الأدنى وصولا إلى البلقان، عالم تغيّرت معه الخريطة السياسية والاجتماعية.
غير أن عاصفة في صحراء الجزيرة العربية إمامها عبدالعزيز بن سعود قبلت التحدي التاريخي بالفعل، لا رد الفعل كباقي الإخوان العرب.
حينذاك لم تكن منطقة «نجد» معزولة، انعكس عليها الفراغ المتنامي في القوة على أرض الأناضول، مخططات ومؤامرات تحاك على رمال بر الشام، لترسم ما بين مدينة الرياض وحائل سلسلة من المعارك، مُحدثة ارتباكا وشللا في كل قراها، وداخل كل بيت فيها.
اختار الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود والد الشاب عبدالعزيز السكن في مدينة الكويت، وذلك إدراكا منه لأهمية هذه المدينة في الخريطة السياسية، غير أن الابن عبدالعزيز تعلم من الكويت أهمية الاستراتيجيا في لعبة الأمم العالمية الدائرة حينذاك، فمدينة الكويت كانت أقرب إلى حكومة جلالة الملك البريطاني من غيرها من مدن الجزيرة العربية وعلى رأسها مدينة عدن، التي كانت تحت الانتداب البريطاني في منطقة اليمن، ومُرسِيا في قاعدتها المطلة استراتيجيا على مضيق باب المندب فخر الأسطول البحري الإنجليزي. لعل هذا أول شاهد لمعرفة هذا الشاب العربي البدوي في علوم الجغرافيا السياسية، للشاب عبدالعزيز بن سعود.
قبل قرن مضى أدار الملك عبدالعزيز محركات عقله السياسي ليعمل في مساحة كاملة تختصر سيرة الأمة، تحرك منطلقا من الكويت نحو المركز في الرياض، ثم مرحلة الانتشار: الأحساء والحجاز وعسير ونجران، مدفوعا بقوة الشرعية، تليها ولادة المملكة العربية السعودية عام 1932. لم يكتف الشاب عبدالعزيز بدرس الجغرافيا وتأثيرها في السياسة، ولم يمنعه مجد آبائه من صنع التاريخ، بل أراد كل ذلك حين صنع للأمة وطنا نعيش فيه، فأصبح للمجد تاريخ جديد كل عام.
نحن في عام 1902، عام ولادة إرادة عربية من بطن الجزيرة العربية، ونعي خلافة وإمبراطورية عند الباب العالي في إسطنبول. أما للعالم، فهي ولادة نظام دولي جديد، ومعه دول عظمى جديدة.
لم يعد الباب العالي لبعض العرب كبيرا، لا في الحكم ولا في النفوذ. ومنذ الانقلاب الدستوري في إسطنبول على يد جمعية الاتحاد والترقي عام 1908، برز وجه العسكر التركي أكثر فأكثر.
هي حقبة مليئة بالصخب السياسي والتحولات الاجتماعية، أفكار وتيارات تتطاحن فيما بينها، وبالدم على مسرح الصراع الدولي، المسرح هو كل أراضي رجل أوروبا المريض: السلطنة العثمانية.
على الأثر تعرضت المنطقة العربية لحروب متعددة، مفرزة خطوط تماسّ لم تكن مألوفة لسكانها، في الشام ومصر والعراق والحجاز تفرقت بين فريقين سياسيين، فريق أراد للخلافة الاستمرار، وفريق يريد الاستقلال عنها.
ثم انطلق رجال من الغرب يرسمون حدودا بألوان عرقية ودينية، وبفرشاة المصالح على أرض العرب، ليسجلوا أسماءهم في صفحات التاريخ، منهم: لورانس ومكماهون، ووايزمان، وبلفور، وسايكس وبيكو. ولكي لا ننسى الليدي غيرترود بيل، ليزيح المشروع الستار عن صراع سياسي يؤدَّى على مسرح أوروبا. إنها إرهاصات الحرب الكونية الأولى.
انتفض العرب وتحركوا، ثورة في النيل لتلحقها ثورة الحجاز يقودها شريف مكة، وبطريرك الموارنة في جبال الأرز يتفاوض مع الفرنجة على استقلال لبنان الكبير، كلّ يدفع باتجاه، ومشروع الاستقلال المزعوم يدفعهم في التوجه نفسه؛ إسقاط الدولة العثمانية، هي لعبة الأمم التي أرخت بظلالها من وسط آسيا في أفغانستان مرورا بالشرق الأدنى وصولا إلى البلقان، عالم تغيّرت معه الخريطة السياسية والاجتماعية.
غير أن عاصفة في صحراء الجزيرة العربية إمامها عبدالعزيز بن سعود قبلت التحدي التاريخي بالفعل، لا رد الفعل كباقي الإخوان العرب.
حينذاك لم تكن منطقة «نجد» معزولة، انعكس عليها الفراغ المتنامي في القوة على أرض الأناضول، مخططات ومؤامرات تحاك على رمال بر الشام، لترسم ما بين مدينة الرياض وحائل سلسلة من المعارك، مُحدثة ارتباكا وشللا في كل قراها، وداخل كل بيت فيها.
اختار الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود والد الشاب عبدالعزيز السكن في مدينة الكويت، وذلك إدراكا منه لأهمية هذه المدينة في الخريطة السياسية، غير أن الابن عبدالعزيز تعلم من الكويت أهمية الاستراتيجيا في لعبة الأمم العالمية الدائرة حينذاك، فمدينة الكويت كانت أقرب إلى حكومة جلالة الملك البريطاني من غيرها من مدن الجزيرة العربية وعلى رأسها مدينة عدن، التي كانت تحت الانتداب البريطاني في منطقة اليمن، ومُرسِيا في قاعدتها المطلة استراتيجيا على مضيق باب المندب فخر الأسطول البحري الإنجليزي. لعل هذا أول شاهد لمعرفة هذا الشاب العربي البدوي في علوم الجغرافيا السياسية، للشاب عبدالعزيز بن سعود.
قبل قرن مضى أدار الملك عبدالعزيز محركات عقله السياسي ليعمل في مساحة كاملة تختصر سيرة الأمة، تحرك منطلقا من الكويت نحو المركز في الرياض، ثم مرحلة الانتشار: الأحساء والحجاز وعسير ونجران، مدفوعا بقوة الشرعية، تليها ولادة المملكة العربية السعودية عام 1932. لم يكتف الشاب عبدالعزيز بدرس الجغرافيا وتأثيرها في السياسة، ولم يمنعه مجد آبائه من صنع التاريخ، بل أراد كل ذلك حين صنع للأمة وطنا نعيش فيه، فأصبح للمجد تاريخ جديد كل عام.