الرأي

بكائيو العرب وجلد الذات!

عبدالله زايد
بينما كثير من العلماء الغربيين وغيرهم ينظرون إلى ثقافاتنا وقيمنا بتقدير وموضوعية، تجد هذه الثقافة كثيرا من النقد ومحاولات مستميتة للتقليل من أثرها الإيجابي على البشرية، وتشعر في بعض الأوقات أن هناك جلدا للذات يمارسه بعض العرب ضد إرثهم وهويتهم وثقافتهم بشكل غريب لا مبرر له، وكأنهم لن يتطوروا أو يصبحوا فعالين ومنتجين إلا بالتخلص من كل ما يصلهم بهويتهم وثقافتهم.

على مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر كثير من الآراء المؤلمة للبعض، وهم يتحدثون عن التراجع والتخلف ونحوهما من الأحكام التي يسقطونها وكأنها جوانب عامة ومسلم بها في مختلف أرجاء العالم العربي، كثير من أبناء أمتنا العربية يتحدثون بعمومية في منصات إعلامية غربية عن التخلف العربي وأن هناك جهلا وتراجعا معرفيا، وإن كانت مثل هذه الحالة صحيحة في بلدانهم الأصلية إلا أنها ليست عامة على جميع الأوطان في عالمنا العربي.

هؤلاء لا يتحرون الدقة ولا الموضوعية مع أنهم يقدمون أنفسهم كرواد للمعرفة، كان يمكنهم تقديم النماذج العربية المشرفة التي تنهض في مجال العلم والطب والتكنولوجيا وصناعة المعرفة والتوجه نحو المستقبل بحيوية ونشاط، كان يجب عليهم أن يكونوا منصفين وأن يشيروا للإنجازات الطبية الهائلة وللكوادر البشرية المدربة والمتعلمة، ولمئات الجامعات الراقية وللحراك الثقافي وجهود دعم الفنون وصناعة النشر، كان يجب أن يتحدثوا عن إنشاء المتاحف والاحتفاء بالتنقيب والآثار، والجهود المخلصة الناجحة في توجهها نحو النهوض الحضاري في مختلف مجالات الحياة؛ إلا أنهم لم يفعلوا.

الذي يؤلم أن بعض هؤلاء يصنفون بأنهم مثقفون عرب، وهم فئة لا تجيد إلا اللطم والبكائيات، وكأنهم يستنجدون ويستجدون التعاطف الغربي، بعضهم وصل به الحال أن يتنكر للغته ويعدها مؤشرا للتراجع والتخلف، بينما كثير من العلماء والمثقفين وصناع المعرفة في مختلف أرجاء العالم ينظرون إلى اللغة العربية بكل احتفاء وتقدير وعرفان، لما قدمته للبشرية من علوم ومعارف، يقول العالم الدكتور رودولفو ساراتشي في مقدمة كتابه الذي حمل عنوان مقدمة قصيرة في علم الأوبئة «اللغة العربية هي اللغة الرئيسية اليوم لمئات الملايين من البشر حول العالم، ولطالما كانت على مر التاريخ لغة الثقافات التي قدمت إسهامات لا تعد ولا تحصى في شتى مجالات العلوم والفنون، بما في ذلك ابتكار الأرقام العربية. ولولا تلك الأرقام، لما وُجد علم الأوبئة - القائم على الأرقام في المقام الأول - من الأساس».

هذه الفئة تتحدث للمنصات والمؤسسات الغربية وكأننا نعيش في بقع من الجهل ووسط بيئة طاردة تحد من الإبداعات والتفوق العلمي، ويعتقدون أنهم عندما يقدمون الصورة القاتمة سيحصلون على التعاطف المنشود ويحققون الهدف الشخصي على حساب صورة أمتهم وحقيقة عالمهم!

عالمنا العربي ليس بقعة من الظلام والجهل، هناك دول يشار إليها بالبنان والتقدير والثناء في مجالات عدة من التطور والتقدم ومسابقة أمم الأرض، دول زاخرة بالمشاريع المعرفية والمبتكرات، وحراك علمي وتقني وبناء عمراني متواصل، كالسعودية والإمارات، المطلوب الموضوعية والمصداقية، ولعله مطلب بدهي عندما يوجه لمن يحمل صفة مثقف أو مختص في الشأن العربي.

@abdullahzayed