الرأي

المتسوق السري

علي المطوع
المتسوق السري أحد التطبيقات المفعلة في دهاليز وأروقة بعض الجهات ومنها القطاع الصحي، بعض نتائجه الإيجابية كانت محمودة، خاصة في بدايات العمل به، في الفترة التي لم تكن فيها وسائل أخرى تساهم في رفع مستوى الخدمة الصحية وقياسها، خاصة في المرافق التي لا يوجد فيها نظام IT حتى الآن.

للممارس الصحي وغيره مع هذه الخدمة (المتسوق السري) بعض المآخذ والملاحظات، منها أن هذه الخدمة تتعارض مع خدمات قياس مؤشرات الأداء Kpi التي تهدف إلى زيادة مراقبة العمليات الصحية وقياس مدى رضى المستفيد وضبطها رقما صحيحا لا يقبل الشك أو التغيير.

(المتسوق السري كما يعرفه البعض أنه: آلية عمل تتضمن زيارة المنشأة الصحية، وتقمص دور المستفيد، وتوثيق الملاحظات، وتحليل النتائج، ورفع التقارير، والعمل على تحسين مستوى الخدمات، في مجالات مكافحة العدوى، والسلامة والصيانة، والنظافة والخدمات.. ويظهر المتسوق السري كشخص اعتيادي، إما كمريض أو مراجع، ويأخذ دوره مع الجميع دون أن يشعر به أحد).

من التعريف اللغوي والممارسة يتضح التعارض في المهام مع قياس مؤشرات الأداء ومتابعتها، والتي تصب جميعها في خانة تجويد الخدمة ورفع مستواها وتقليل مدتها الزمنية وقياس مستوى رضى العميل!

إذن وكنتيجة لما سبق نتساءل ونقول: لماذا تقاس أو تتابع بعض مؤشرات الأداء من خلال ما يعرف بالمتسوق السري؟

إذا كان الهدف هو قياس رضى المستفيد وهو المريض فلذلك طرقه ووسائله، ولعل أبسطها وضع جهاز صغير أمام كل عيادة أو مرفق صحي خدمي ثم يطلب تقييم المريض، عبر أسئلة محددة وبسيطة، عندئذ نصل إلى النتيجة التي تعكس مدى رضى المستفيد من عدمه، وإذا كان الهدف مراقبة العاملين ومعرفة مدى انسجامهم وتنفيذهم للسياسات والإجراءات فالمؤشرات كعملية أساسية تكاملية تستطيع أن تعطينا المؤشر لجودة الخدمة واستمراريتها، فأنت كصانع خدمة صحية تحتاج إلى مخرجات نهائية تقيس من خلالها الأداء، والأداء له مؤشراته ومخرجاته وشواهده، أما الرقابة من خلال العميل السري ففيها هدر للمال وازدواجية في المهام.

قد تفاجأ كممارس صحي بحضور شخص من هذه المنظومة، ثم يمارس أدواره الفجائية ولكن هذه المرة يقوم بتعريف نفسه لك، وأنه المتسوق السري ويأمرك بإفساح المجال له، ثم يقوم بجولة في مرفقك، الجولة تهدف إلى رصد الأخطاء وجمعها ومن ثم كتابة تقرير فيها يعرض على المسؤولين لاحقا.

هذه العملية الفجائية فيها كثير من الاستفزاز للممارس الصحي، وتصويره بأنه مذنب يجب معاقبته، ناهيك عن الأسلوب التسلطي الذي يمارسه هذا المتسوق السري الذي أصبح متسوقا في العلن، يسأل ويستفز ويشكك ثم يكتب!

الغريب والمثير أن بعض هذه الزيارات قد يكون بطلب شخصي، وقد يكون هذا الطلب بناء على خصومة أو وشاية داخل المرفق الصحي من أحد المشاغبين أو المعترضين على سياسة قائد المرفق، وهنا يجري اجتزاء الواقع وبلورته في صورة تشير إلى نقص وخلل كبيرين يعتريان هذا المرفق وعامليه، هذا الاجتزاء يكون بناء على الصورة المغلوطة التي نقلت إلى عضو إدارة المتسوق السري، فتجعله أسيرا لفهم مسبق وقناعات مجتزأة، الهدف هنا قد يكون الإضرار بشخص بعينه، بعيدا عن الاحترافية والشفافية المطلوبتين في هكذا عمليات رقابية.

من وجهة نظري، تظل الجودة وتطبيقاتها وقياسها من خلال مؤشراتها من أنجع الوسائل التي يقاس بها العمل الصحي، ولا مانع من وجود منصات يومية أو أسبوعية تعكس حركة المرافق الصحية وفق هذه المؤشرات سلبا وإيجابيا، وبعد ذلك تأتي خطوات التحسين والإجراءات التصحيحية التي تضمن نقل المرفق الصحي وخدماته من منطقة مُرضية إلى مناطق أكثر رضى للمواطن ومقدم الخدمة.

السؤال الأهم: لماذا بعض الجهات تراقب مؤشرات جودتها ومخرجاتها من خلال المتسوق السري؟ هل المؤشرات غير كافية، أم إن أرقامها مهما كملت لا تعكس مستوى الرضى المأمول الذي ينشده العميل ومقدم الخدمة؟

alaseery2@