الرأي

وساوس

زيد الفضيل
مسلسل سعودي من تأليف رولان حسن، وسيناريو وحوار وإخراج المبدعة هناء العمير، وبطولة عدد من الفنانين السعوديين، وهم بحسب الظهور كما كتب في مقدمة المسلسل: عبدالمحسن النمر وشيماء الفضل وميسون الرويلي وإلهام علي وندى توحيد ونور العنبر وليلى عربي وعلي الشريف وأسامة القس ومحمد علي.

بهؤلاء فقط، وبموقع تصوير داخلي محدد، ودون تكلف أو بهرجة، أبدعت المخرجة هناء العمير في تقديم صورة درامية شيقة وملفتة وماتعة، حتى لكأنك وفي لحظة ما لا تريد للزمن أن ينتهي وذهنك مشغول بمتابعة الأحداث، وبصرك يقفز يمنة ويسرة ليتابع مختلف التفاصيل ولكن من زوايا مختلفة.

لعمري ذلك هو الإبداع الذي يحق لمخرجة سعودية أن تفتخر به، وأن تبُزَّ نظراءها فيه، وتعلن عن وجودها المتميز في ساحة الدراما، وبين نجوم الإخراج التلفزيوني والسينمائي أيضا، إذ شعرتُ ـ وأنا غير متخصص ـ بأني أشاهد فيلما سينمائيا وليس مسلسلا تلفزيونيا كما يقال. ولعلها رسالة لأولئك النجوم الذين لم يحققوا المراد، فأخفقوا في أعمالهم الرمضانية، سواء في الأداء، أو من حيث متانة المضمون، ناهيك عن ترهل الحبكة التي شابها الضعف المتناهي.

في «وساوس» نهجت هناء العمير نهجا متفردا في صيرورة الإخراج الفني، فاللحظة الزمنية في المسلسل لم تتجاوز ساعات الظهيرة، واللقطة المكانية حال انتهاء كل حلقة من حلقات المسلسل ثابتة، لكنها مع ذلك تبدو من حيث العمق الدرامي، والحَراك الانفعالي، متجاوزة تلك اللحظة والبقعة المحددة؛ وهو مكمن تفرد هناء العمير المتمثل في طبيعة تحريكها للحبكة الدرامية، لينتقل المشاهد ببصره وذهنه متابعا حركية المشهد الدرامي في كل حلقة مع أحد شخوص المسلسل، وهكذا فقد تمثل إبداعها في إعادة عرض عديد من الأحداث المشتركة ولكن من زوايا مختلفة، ليس بعرض اللقطة من كمرات متنوعة، ليظهر للمشاهد وكأنه يرى المشهد بعدسة أخرى كما هو مألوف من قبل المخرجين، وإنما بتصوير ذات المشهد بروحِ ونفسِ وذهنِ الشخصية الأخرى، وبالتالي فقد تم إعادة الأحداث نفسها في حلقات متتالية، ولكن في كل مرة بروح مختلفة، وحقا كم كان ذلك مبدعا من حيث حالة التجريد الذي استطاعت المخرجة أن توصله للب المشاهد وهو يتابع حركية المشهد الدرامي، الذي ينتهي بك في كل حلقة إلى تلك اللحظة الزمنية الثابتة، وتلك البقعة المكانية الواحدة، فينتهي الموسم الأول وقد اجتمع شخوص المسلسل في اللحظة والمكان نفسيهما، وبلقطة ساحرة لذلك الميت الحي، وكأني بهناء العمير قد زمَّت خيوطا بدت متفرقة للوهلة الأولى إلى باطن يدها لتعقد عقدتها ثم تنفشها بإحكام مرة أخرى مع أحداث الموسم الثاني كما أظن، وذلك هو الجمال بعينه.

قارئي الكريم، لا تعجب من سروري لما رأيت، فحين يسود الغبش يُصبح بصيص الضوء نعمة يجب الاحتفاء بها، فكيف إذا طلع النهار، والخشية ألا يعود مرة أخرى. تلك هي كارثة الأعمال الدرامية ليس على الصعيد المحلي وحسب، وإنما أيضا على الصعيد الخليجي والمصري، ولعل قائلا يرى العذر لنا إن أخفقنا، فقدراتنا في المملكة العربية السعودية بسيطة مقارنة بغيرنا، أو هكذا نحب أن نسلي أنفسنا، ونطبطب على خاطرنا، في حين أن الأمر على غير ذلك واقعا، وأعلم بحكم ارتباطي بالمشهد الثقافي جملة والمسرحي بخاصة، أن لدينا طاقات شبابية جبارة، يمكن أن تبهر المشاهد بما تقدمه من نصوص جيدة، وأداء تمثيلي بارع، ونسق إخراجي متميز، لكن أين فرصتها؟ وأين المنتج المتجرد الداعم؟ وكم أخشى أن يتجدد ضياع جهدها في ظل كارثة الشللية، والجهل بواقع الساحة وما فيها من جواهر دفينة.

بقي أن أشير إلى جاذبية العنوان الذي عكس عمقا دفينا في مكنون أنفسنا، نسعى إلى كبته وإخفاء معالمه، فما أكثر ما صرنا نعيشه من وساوس مجتمعية واقتصادية وسياسية، وصولا إلى ما نحن فيه اللحظة من وساوس صحية، أخال أنها ستترك أثرا سلبيا على واقعنا حاضرا ومستقبلا، وكما يقال: نتباعد اليوم من أجل أن نلتقي غدا، وعودا حميدا لمجتمعنا ولكن بحذر.

@zash113