الرأي

قروبات الواتس اب نعمة

عماد عمر طيب
يعد التواصل البشري الفعال من أرقى درجات العلاقات الإنسانية، وقد حث عليه ديننا الإسلامي الحنيف، وأبسط صورة له إلقاء السلام على من تعرف ومن لا تعرف، وأقوى هذه الدرجات تكون بين الأقارب من الدرجة الأولى الأقرب فالأقرب، ومن ثم تأتي صلة الأصدقاء والجيران وزملاء العمل، وصولا إلى كل أنواع العلاقات الاجتماعية.

مثل هذه الصلات أدت إلى إنشاء مجموعات تواصل في برنامج الواتس اب وهنا مربط الفرس، فقد قرب هذا البرنامج كل بعيد ليصبح تواصلنا بلمسة زر ونحمد الله ونشكره على فضله بأن سخر لنا هذه التقنيات التي سهلت لنا التعاطي مع القريب والبعيد، إلا أن التعاطي مع هذه المجموعات يستوجب شيئا من الذكاء والحرص واللباقة، إذ إنها قد تنقلب من أداة للتقارب إلى مسبب للفرقة والشتات وتخرج عن أهدافها السامية التي أنشئت من أجلها.

فحين يقوم أحد أعضاء مجموعة الواتس اب بقص ولصق أي مادة ويشكك عضو آخر في مصداقية هذه المادة يفهم الطرف الأول أنه يكذبه، والسبب أنه لم يتعامل بأسلوب اجتماعي تربوي لائق في نفي صحة المادة المنشورة، وهنا تحصل المشادة التي قد تؤدي إلى انسحاب أحد الطرفين من المجموعة.

وربما يساء فهم اللغة المكتوبة، إذ إن التعبير اللفظي لعبارة ما ودلالاتها تختلف باختلاف نطقها ونبرة الصوت المصاحبة لها، فمثلا عبارة «يا سلام» قد تفهم على أنها إعجاب أو استهجان، وهذه حالة شبه يومية نعايشها في المجموعات، كما أن الألفاظ المستخدمة قد لا تعبر عن مكنونات المعاني التي يريد طرحها أحد الأعضاء لأن الطبيعي ألا يتمتع الجميع بموهبة التعبير الدقيق التي تمكنهم من قول ما يريدون على الوجه الأكمل، فتجدهم يبررون ويكررون ويحومون حول المعنى للوصول للهدف، وربما يضطرون للإجابة عن أسئلة واستفسارات الأعضاء حتى يتضح المعنى، ولمثل هؤلاء يتوجب استعمال الرسائل الصوتية فنبرات الصوت لها مدلولات قوية تخدم العبارات لتصل للهدف المنشود.

وهناك بعد مهم تجب مراعاته ألا وهو التوقيت، نعم التوقيت، فهناك من يرسل خبرا سيئا يخص وفاة أحد الأقارب وعضو آخر يلحقها بمادة غنائية أو طرفة، فيزعج الآخرين وهو لا يقصد ذلك، فقط لأنه لم ينتبه ولم يتابع ما سبق نشره.

وهناك من هو سهران لأنه متقاعد مثلا وغير مرتبط بموعد دوام صباحي، فيرسل رسائل ليس لها أي داع أو معنى في ذلك التوقيت، فيزعج الآخرين لتنشب معركة واتسية يسقط فيها عديد من الضحايا المنسحبين، وعلى هذه الأمثلة قس عزيزي القارئ، إضافة إلى أننا نكون مجبرين في بعض الأحيان على الاشتراك في مجموعات متشابهة وبغالبية الأعضاء، ولا نستطيع الانسحاب منها لكيلا ينزعج من أضافنا إليها، مع أن الرسائل والحوارات مكررة فيما بينها، ولكن نصبر وتصبر ذاكرة الجهاز من أجل إرضاء الأحبة والأصدقاء والأقارب.

هذه بعض الأمور التي يمكن أن تخرج مجموعات التواصل الجميلة المباركة عن توجهاتها وأهدافها، وهي حالات فردية لا يمكن تعميمها، ولكن في الشكل والإطار العام فإن مجموعات الواتس هي رافد مهم جدا من روافد تقوية أواصر القربى والمحبة بين المتواصلين أيا كانت أطر علاقاتهم ببعض. فشكرا لله الذي سخر لنا عقولا بشرية فكرت وكونت وجمعت شتات الأدوات التقنية لتوجد لنا هذه الآلات الحديثة والأجهزة الذكية التي أسقطت كل عذر لعدم التواصل بين الناس، وخدمت شعيرة صلة الرحم بكل سهولة وبساطة، فلا عذر لكبير أو صغير فجهاز الجوال بيد الجميع وبرامج التواصل جعلت العالم كله قرية صغيرة. فلنتواصل ونواصل مسيرة الإخاء والمحبة، وصولا لظل عرش الرحمن الذي ينضوي تحته المتحابون في الله.

@Emad21209