الرأي

ضمائر العرب تجرم عنصرية أمريكا!

شاهر النهاري
عجيب إنكار العرب لحقيقة سواد تاريخهم، وتعاسة مفاهيم حاضرهم وعاداتهم وتقاليدهم فيما يخص العنصرية والعبودية، متقمصين بياض سريرة الملائكة!

صدر لي قبل عامين كتاب (الحراطين)، عن دار تكوين للطباعة والنشر، والحراطين: مسمى شمال غرب أفريقي للعبيد حديثي العهد بالحرية، ومن المعروف أن الدول العربية آخر من نفذ قرار هيئة الأمم المتحدة لتحرير الرقيق.

وقد اشتمل الكتاب على جغرافية وتاريخ وأصناف العنصرية والعبودية منذ فجر التاريخ حتى يومنا، بمختلف النظريات النفسية، والمعتقدات، والفلسفات، وحركات التحرر.

الكذب المتورم وسخافة الادعاء وعدم رؤية الحقيقة أمر مضحك، بل إنه مبكٍ، رأينا إعلام بعض الدول العربية ومفكرين فاقدين للمنطق يتباكون على حال ومصير المقتول الأمريكي الأسود جورج فلويد، لدرجة تربك العقول النيرة، وتصيب المتلقي بعدوى انسلاخ جلد الثعابين.

معظم العرب يدّعي عدم عنصريته! وتلك كذبة شنيعة لا يمكن تمريرها، فالعنصرية بحيرة آسنة نتنة، غرقنا فيها جميعا منذ قرون طويلة، ولم نزل، فلم نعد نستنكر انفضاح عوراتنا!

يا أيها الكاذبون من حولنا، قد يكون مقبولا أن تحاولوا تعديل ومعالجة أخلاقكم المريضة بالعنصرية، ولكن لنتوقف عن الكذب المتعمد على التاريخ، وتزويق صور كثير من مجتمعاتنا الحالية، المبنية على أسس راسخة من العنصرية.

الكلام عن عنصرية أمريكا موضوع مباح، ولكن تنزيه النفس المبقعة بالسوء يعيب في مقدراتنا العقلية ونوايانا، وحقيقة قدراتنا على فهم ومعالجة ذواتنا.

الحقيقة قاسية والإنكار سلاح العاجز عن تعديل علاته الجلية، والأفضل له ولنا أن يتعلم، وأن يقرأ التاريخ، وأن يستحي، فإما كلمة حق يقولها أو ليصمت، حتى يتوقف العالم عن ازدرائنا والضحك والشماتة من تناقضات عشناها، وما زلنا نرعاها بكذبنا للقادم.

بعض العنصرية العربية أكثر تأصلا منها في أي مكان من العالم، وإن كانت القوانين المدنية المفروضة عليهم تشعرهم بعدم وجودها، فليفتحوا أعينهم وقلوبهم ويبحثوا ويقيسوا ويقارنوا.

اللون عند كثير من العرب له دلالات متدرجة من التاريخ والتواجد الأصيل، والعبودية والعتق، حتى أصبح من المعتاد ترديد (وكلنا عبيد لله).

العرق عند كثيرين له مسميات مهينة، وحدود جغرافية وبيئية صارمة، وأقليات لا يمكن أن تتساوى مع الآخرين، والإنكار يزيد قناعاتهم.

الجنس يختلف عند كثير من العرب بالعار والشنار، وليس للمرأة بينهم مثل ما للرجل، بل إن البعض يؤطرها (وأنت بكرامة).

الاختلافات الجسدية والعاهات لها مسمياتها المنكرة حتى لو أتبعوها بـ (الله لا يبلانا).

المناطقية لها مسميات تحقير قاتلة، لا يقصد منها إلا التقليل من الآخر، وتنزيه الذات، وترقيع القبح بلطافة الغمز واللمز، وتراشق سهام العنصرية على مواقع التواصل، ليقتلوا كل علاقة إنسانية محترمة ممكنة بين الشعوب العربية، وبين مجتمع وآخر في المدينة نفسها، بأوزار تراث أنهك أكتاف اليافعين، ودون قدرة على إنزاله.

المذهب والدين والمعتقد، كلها تندرج تحت عنصرية التمييز، حد بلوغ التكفير.

جميل أن يسعى الإنسان العربي لتطوير ذاته، وتدريب أخلاقه، ومحاولة إعادة رسم صورته المستقبلية بأنه غير عنصري، وكم هو قبيح، بل قمة في القبح، أن ينتصب أحدهم على منبر اجتماعي أو تعليمي أو ديني أو إعلامي أو سياسي، ينفخ الرماد في الأعين ويقلب الحقائق الجلية، ويعيب عنصرية مجتمعات أمريكا، ودون حتى أن يضحك، أو يخجل بزيف دائرة ضياء ترتسم فوق قمة رأسه، ويقين كاذب بأن كلماته المكذوبة المريضة ستخفي الحقائق الراسخة في الذات، والتاريخ، والعادات والتقاليد.

Shaheralnahari@