الرأي

الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية

عبدالله قاسم العنزي
الوحدة الوطنية أهم مقومات المجتمع وأبرز رابطة تجمع أبناء الوطن الواحد، ولا تقوم هذه الوحدة بصورة أساسية ما لم تقم على حب الوطن والانتماء له والدفاع عنه ضد أي اعتداء خارجي بأي شكل من الأشكال، ولا يتحقق ذلك ما لم يسد الحب والتسامح والوئام والتعايش بين أفراد المجتمع وطوائفه.

ولا أبالغ إن قلت إن الوحدة الوطنية هي البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا، ولكن هذا البنيان حال تعرض إلى بعض الآفات التي يكون دافعها حظوظ النفس ربما يضعف ويصبح هشا أمام الأزمات.

ولقد عانينا كمجتمع من العنصرية واللمز والتنابز بالألقاب فترة من الزمن، إلا أن هذه الظاهرة انتهت وفهم الجميع أن الوطن للجميع وأننا كلنا في سفينة واحدة نعيش جميعا أو نغرق جميعا، وأن هذه الأمراض تفتت أبناء الوطن الواحد وتجعل قلوبهم شتى وإن كان يجمعهم الوطن الواحد!

في الأسبوع الماضي أصدرت النيابة العامة مذكرة قبض على شخص أساء لقبائل المنطقة الجنوبية عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد أن مثل هذا السلوك يعتبر جريمة لأنه ينال من الوحدة الوطنية ويشيع الكراهية في المجتمع.

وإن من الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية كل خطاب يوجه للجماعة - بسوء نية - ينتج عنه إثارة النعرات القبلية أو المذهبية بين أبناء الوطن الواحد.

ولذلك تتوفر جريمة المساس بالثوابت الوطنية كالوحدة بين أفراد المجتمع من خلال عنصرها المادي والمعنوي حالة قصد الشخص توجيه خطاب يذكي أو يشجع أو يسعى لإقناع الناس بآراء أو قصص أو أخبار حتى تكون ضمن مفهوم ومعتقدات الجماعة وسلوكها لهضم حق أو إنقاص مكانة طائفة معينة من أفراد المجتمع، وبالتأكيد أن المساس بالوحدة الوطنية وتفريق الصف لا يكونان من خطاب منقطع، إنما يكونان بعدة وسائل متنوعة يتلقاها المجتمع، يكون من صفتها الاستمرار والديمومة، ولكن ما قامت به النيابة العامة من إصدار مذكرة قبض على المتهم إنما هو ظنية تحقق الخطر الذي يقصد القانون حماية النظام العام منه، وهو إشاعة الكراهية بين أفراد المجتمع وتفتيت صف الجماعة، فلا يشترط في مثل هذه الجرائم أن تؤدي إلى تحقيق الغرض الذي قصده مشيع الخطاب العنصري أو التعصب المذهبي ونحو ذلك، إنما تكفي احتمالية وقوع الخطر على الوحدة الوطنية.

وقد نصت المادة الـ6 من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص ينتج ما من شأنه المساس بالنظام العام.

علما أن هذه العقوبة تشدد إلى أقصى حد نص عليه النظام حالة صدرت من شخص يتولى المناصب العامة أو إعلامي في صحيفة رسمية أو قناة محسوبة على المجتمع السعودي، وفي الختام أتمنى أن يفهم الذين اعتادوا التطاول على بعض المناطق أو القبائل أن هذا الهمز واللمز - وقلة الأدب - لن ترفعهم، إنما تخفضهم إلى أدنى مكان بالمجتمع، وأن النظام سوف يحاسبهم بالعقوبة الرادعة. وإلى اللقاء في حديث قانوني جديد.

expert_55@