فاتن محمد حسين

الهيئة العامة للثقافة.. وكنوزنا الفنية الثقافية

الخميس - 03 مايو 2018

Thu - 03 May 2018

في مقالي الأسبوع الماضي الاثنين 7 /‏‏8 /‏‏1439هـ (الهيئة العامة للثقافة.. المعاصرة والدور الرائد) تطرقت إلى الدور الكبير الذي يطمح له الوسط الثقافي الأدبي في تفعيل دور الهيئة للوصول إلى آفاق ثقافية واسعة من خلال تفعيل المسرح، وإشراك الشباب في الملتقيات، ودعم أو تطوير دور الأندية الأدبية لتكون ملتقى لكافة شرائح المجتمع. ولعلي اليوم أكمل ما بدأته من مطالب للهيئة، وذلك بعد حضوري لقاء ثقافيا - استثنائيا- في الصالون النسائي بأدبي جدة، والذي تشرف عليه الأستاذة نبيلة محجوب ومجموعة من سيدات جدة، وكان الموضوع «الفنون الشعبية في الحجاز وإيقاعاتها بدءا من أول أغنية في العالم، رحلة تاريخية في الموسيقى والغناء» لأيقونة الفن التراثي السعودي الدكتورة هند باغفار.

حقيقة لم تكن المتعة الوحيدة في اللقاء هي الاستماع إلى الفن الراقي الرصين الذي للأسف يكاد يندثر في زحمة الفنون الغثة التي اختلط فيها الحابل بالنابل من مدعي الفن حديثا! بل كان السرد العلمي التاريخي للفن (القطب) الذي حلقنا فيه مع الكاتبة إلى فضاءات واسعة، بدءا من الطبيعة التي لم تكن صامتة في يوم ما، وإنما خلقها الله لينعم الإنسان بسماع تغريدات العصافير، وحفيف الأشجار، وخرير الماء. كان السرد مذهلا للحاضرات، وقد بدأ من العصور الأولى للإنسان، وعصور الآشوريين، ودولة سبأ، واستمرارا إلى العصر الجاهلي، ثم عصور الإسلام، ومنها عصر الخلافة الأموية والعباسية، وصولا إلى يومنا هذا، مما يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الجزيرة العربية، خاصة منطقة الحجاز هي مهد التراث الفني الغنائي عبر العصور، والذي صادرته القوى المتشددة منذ عام 1346هـ وما هو موجود في ذاكرة المجتمع المكي من إرهاب للناس وتكسير (البيكأب والأسطوانات) وكأنها جريمة مخدرات. ومع قليل من الانفتاح تنفس المجتمع الصعداء، وبدأ الناس في الاستمتاع بالفن والسينما، إلى أن ظهر ما يسمى (جماعة الصحوة) الذين سلبوا المجتمع حق الاستمتاع بالحياة، وصورونا جميعا أننا في جهنم بسبب هذه الفنون. وقد آن الأوان لتغيير تلك المفاهيم، وكما قال سمو ولي العهد محمد بن سلمان - حفظه الله «سنعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل، ونريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة»، فللإسلام مبدأ «وروحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت».

أعود لتلك الأمسية الفنية التي أثارت في الحاضرات مكامن الجمال في تراثنا الوطني الغنائي وما قدمته في تلك الأمسية عن ألوان الفنون في الجزيرة العربية، وهي: الحداء، والحدري والمجس، والمجرور، والمزمار، والدانة، منها دانة البخشيش أو الشبشرة والزير والخبيتي والرجيعي والصهبة، وتاريخ ومكان ظهورها. وهي ألوان ثقافية تراثية جديرة بأن تجد من يحافظ عليها كمورثات وكنوز ثقافية. والدكتورة هند لديها أكثر من 20 كتابا، منها: التراث الفني في الجزيرة العربية، والأغاني الشعبية في المملكة العربية السعودية، والأعراس الشعبية، والملابس الشعبية. فضلا عن كتابتها مسرحيات قدمت للمؤلفة لبعض رواياتها التي تتناول فيها قضايا المجتمع السعودي بمصداقية وشفافية في الطرح.

وحقيقة كانت المداخلات النسائية على مستوى الأمسية، وجميعها كانت تصب في أن تعيد الهيئة العامة للثقافة طباعة تلك الكتب التي نفدت من المكتبات، للمحافظة على تلك الكنوز الثقافية من أن تندثر وتتلاشى. وأن تهتم الهيئة أيضا بفتح مدارس لتعليم أصول الفن العربي للشباب،ومنها العزف على الربابة والعود والقانون، للمحافظة على الألوان والألحان بسماتها الأصلية التراثية، ونشر هذا التراث على المستوى الشعبي. وأن تكون هناك ترجمة للكتب التراثية إلى جميع اللغات العالمية، لتعريف الشعوب بحضارة وثقافة مجتمعنا ومد جسور الحوار من خلال الثقافة التي هي أسمى أنواع التواصل. وتحويل روايات باغفار إلى نصوص مسرحية لإلقاء مزيد من الضوء على قضايانا الاجتماعية ولإيجاد حلول عملية للمشكلات. وتقديم تراثنا الفني في الخارج، ليس فقط على المستوى الرسمي الذي تحضره النخب الثقافية والسياسية، ولكن أيضا على المستوى العام للتعريف بثقافتنا السعودية الأصيلة من خلال تفعيل دور سفاراتنا في الخارج.

كلنا أمل أن تلقى الموسوعة الفنية التراثية الثقافية التي أسستها الكاتبة هند باغفار اهتماما خاصا للمحافظة على تراثنا الوطني محليا ومن ثم تصديره للخارج لتعريف الشعوب بثقافتنا وحضارتنا الضاربة في عمق التاريخ، ليبقى تراثا خالدا على مر العصور.