العلا .. مصدر القوة الناعمة

الأربعاء - 02 مايو 2018

Wed - 02 May 2018

تحدثت في مقال سابق نشر لي في هذه الصفحة عن موضوع «استراتيجية التحول وسيطرة القوة الناعمة» بتاريخ الأربعاء 11 أبريل 2018 (يمكن الرجوع إليه الكترونيا عبر موقع الصحيفة)، وقد تطرقت أيضا إلى معنى القوة الناعمة، والتي تتمثل في نواح وعوامل عدة نستطيع بدعمها أن نسيطر على غيرنا سلميا، بمد يد العون والتحالف معهم بمفهوم جديد ومصطلح حديث ينبثق من تعاليم ديننا الإسلامي السمح الذي ينادي بضرورة إظهار الرقي في التعامل الحسن، والبعد عن الغلظة والفظاظة في القول والعمل، ونشر مفهوم التسامح والتصالح والعفو، سواء كان التعامل على مستوى الأفراد أو الجماعات أو على مستوى الدول. والقوة الناعمة مبدأ وقاعدة تخالف القوة الصلبة والخشنة التي تعكس القسوة في الوصول إلى الهدف والجلافة في التعاطي الفردي والجماعي أو كما كان يحصل سابقا من قبل الدول الاستعمارية والإمبريالية التي فرضت سيطرتها بقوة السلاح والنار والغزو والتوسع لكسب خيرات الغير. فالقوة الناعمة في العصر المعرفي الحديث تعتمد في مبدئها وأساسها الأول على كيفية اكتساب وخزن وتوليد المعرفة من وإلى الدول الشقيقة والصديقة، العربية وغير العربية، ومن ثم الاستحواذ على معرفة الغير بطرق استراتيجية طويلة الأجل، ورسم خطط تساعد وتعزز التبادل المعرفي، وأولى هذه الطرق الاستراتيجية هي طريقة تقديم الثقافة الوطنية المحلية للدولة، والتي تتمثل في الهوية الوطنية العامة والطابع واللغة الرسمية واحترام الدين والمقدسات الدينية والإرث التاريخي والحضاري والزي الرسمي وأنواع الأكل والشرب والحدود الجغرافية والطبيعة المناخية وطبيعة السكان وعددهم وأنشطتهم وتجارتهم وأهم الصادرات والمنتجات للدولة، فالمملكة حباها الله بمواقع المقدسات الدينية والحضارات المختلفة والثقافات المتعددة منذ أن كانت مكة المكرمة واديا غير ذي زرع، والمنطقة تزداد تراكما معرفيا واطرادا يعزز مكانتها وقوتها التي تهوي إليها القلوب من كل فج عميق. و«مدينة العلا» أو «مدائن صالح» التاريخية، نسبة إلى نبي الله صالح، تقع شمال غرب المملكة حيث تتوسط ثلاث مدن رئيسة، هي: المدينة المنورة وتبوك وحائل، بمساحة تقدر بنحو 29000 كلم2، وتزخر ولله الحمد بمصادر قوة جاذبة تتمثل في الإرث التاريخي والحضاري العميق الذي يعود لآلاف السنين، وتقدر بعض المصادر التاريخية أن «العلا» تحتضن في خارطتها حضارة تعود إلى 4000 عام، وأبرزها الحضارة النبطية، إضافة إلى الحضارة الثمودية نسبة إلى قوم ثمود، والحضارة اللحيانية لمملكة دادان، وهم من العرب البائدة.

فالمنطقة بأكملها تعتبر متحفا طبيعيا على الهواء الطلق دون أسوار ولا أسقف ولا جدران. واللوحات الفنية المرسومة على الجبال والنقوش وزخارف الأشجار ومنحوتات الأواني والحيوانات واللغات القديمة التي كانت أهم الوسائل للتواصل البشري قام بتشكيلها بنو الإنسان وخطها على الجبال وعلى مر الحضارات المتعاقبة، حيث كانت تحكي طرق تجارتهم وحكمهم السياسي وأيضا آدابهم وأشعارهم ومناقبهم وحروبهم ونمط معيشتهم في المنطقة، لتبقى شاهدا لنا وقوة معرفية عظيمة تمكننا من أسر شغاف قلوب العالم وتكون المملكة محط أنظار العالمين العربي والغربي، الإسلامي وغير الإسلامي، لنكون جاهزين ومتأهبين لفتح المجال لهم وتسهيل إجراءات السياحة الداخلية والدولية ليشاهدوا ما تملكه مملكتنا من قوة ناعمة وكنوز طبيعية تحكي تاريخ حضارات قامت واندثرت، سطرها لنا مصدر تشريعنا الأول القرآن الكريم وفسرها لنا مصدر تشريعنا الثاني نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قبل أي مؤلف تاريخي عالمي أو مستشرق ينقل رأيه ومشاهداته ووقائعه، ونحن أولى بالبحث والنشر وإعلام العالم بموروثنا الحضاري العظيم. ومن وجهة نظري أعتبر الزيارة الميمونة التي قام بها مؤخرا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله لعدة دول غربية ما هي إلا استعراض سلمي لبعض ما نملكه من قوة ناعمة على الصعيدين الاقتصادي لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، والثقافي أيضا لتعريف العالم بمخزوننا المعرفي الذي مكننا من عقد تحالفات وشراكات تعاون بين حضارة المملكة وتاريخها المتمثل بمدينة «العلا» وخبرة فرنسا المتركزة بمتحف «اللوفر» العالمي ودرايتها الطويلة في إدارة المتاحف وصيانتها، لفتح المجال مستقبلا للسياحة العالمية وما تحمله من مردود اقتصادي وفير، فالمملكة تخوض حاليا تحديا كبيرا ونقطة انطلاق جذرية لتحقيق التحول في 2020، ومن ثم الوصول لرؤية المملكة 2030 التي تقوم على تنويع مصادر الدخل، وبدء الاعتماد تدريجيا على الاقتصاد القائم على المعرفة، لتصبح مدينة «العلا» في المصاف العالمية بإرثها الحضاري النادر لتكون أول مصادر قوتنا الناعمة بإذن الله تعالى.

@Yos123Omar