حسن علي العمري

غسل الأموال

الثلاثاء - 01 مايو 2018

Tue - 01 May 2018

إحدى القضايا العالمية التي لا تزال مدار أخذ ورد دون حسم على مستوى العالم، كونها الغطاء الذي تدار تحت سقفه كافة الأنشطة الضارة بالاقتصاد والأمن العالميين، سواء الإجرام متعدد الصور أو المحدود كالإرهاب والمخدرات وتجارة الرقيق والدعارة. وبإدراك خطورتها بدأت المملكة العربية السعودية سعيا جادا للتعامل معها، فعرفها المشرع السعودي في نظام مكافحة غسل الأموال بأنها ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه ويقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة مكتسبة خلافا للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر.

وإن بدا مصطلح غسل الأموال حديثا نسبيا إلا أنه إحدى أهم الجرائم المنظمة المحلية والعابرة التي تحوي أبعادا متعددة كرافد رئيس وهام من روافد الفساد العالمي، لقدرته على هز واختراق أجهزة الدول الأمنية عند تمدد ونمو هذه الأفعال أمام أعينها دون أن تتدخل لفرض مبادئ القانون فلا تحد أو تمنع مثل هذه الأنشطة، فيما تسعى المنظمات التي تعمل في هذا المنحنى - جاهدة - لاختراق أجهزة الدولة والسيطرة على العاملين فيها أو تبني أحد منسوبيها ودعمه للوصول لسدة إحدى السلطات الهامة خدمة لأجندتها.

وعلى الجانب الاقتصادي تعمل هذه الجريمة على تآكل الطبقة الوسطى وتلاشيها في المجتمعات ليتحول أفرادها إلى غني يزداد غنى، وفقير يزداد فقرا، لتبدأ اقتصاديات الدول حينئذ في التعثر والانهيار.

ويعد غسل الأموال عادما لمبدأ تكافؤ الفرص في مجال العدل الاقتصادي عندما يتوقف ذلك المستثمر أو العامل الجاد عن السعي للكسب الواضح والصحيح جراء ذلك، وهو ما يلقي بظلاله على قدرة أجهزة التخطيط والاستثمار في هذه الدول على اتخاذ أي قرار مناسب في هذا

الاتجاه تبنيه على المعلومة الصحيحة والدقيقة والواقعية، وبالتالي ستشيع فكرة عدم الثقة في هذا الاقتصاد أو ذاك، كما أن كثيرا من جرائم غسل الأموال كانت توطئة لجرائم تصفيات من قتل وخطف خلاف السرقة والرشاوى والتزوير وغيرها. ولسد الثغرات في جرائم غسل الأموال فقد اشتمل تجريمها على أفعال (الإيداع، التحويل، السحب، البيع، الشراء، الإقراض، المبادلة، استعمال خزائن الإيداع).

ويظل من المتصور وقوع جريمة غسل الأموال عمدية أو بطريق الخطأ أو الإهمال، وعلى موظفي البنوك عدم التقاعس في التحقق من هوية العملاء أو حقيقة مصدر الأموال المودعة أو المحولة، وإن كان أغلب التشريعات المقارنة يفترض في قيام هذه الجريمة أن تكون عمدية (العلم والإرادة).

كما أن المؤسسات العامة أو الخاصة قد تشترك في ارتكاب هكذا نوع من الجرائم سواء بقصد أو بدونه، وهو ما يوجب أن تستوعب التشريعات معالجة مثل هذه الحالات، وكذلك الأساليب المتنوعة لغسل الأموال كتهريب الأموال لخارج الدولة أو إنشاء شركات الدمى، ومنها المشروعات الكبيرة المتنوعة سكنية كانت أو سياحية، أو اختلاق تنازع صوري بين شركتين وإبرام القروض الوهمية، وكذلك التمويل البرقي للنقود. ويعد بنك الاتحاد الأوروبي صورة حديثة لبنوك الانترنت التي استغلها غاسلو الأموال لقيامه بتحويل النقود دونما إجراءات رقابية، وإن كانت الحاجة ماسة اليوم لإقرار قانون يجرم الكسب غير المشروع لمحاربة الإغراء الذي قد يطال بعض ممارسات الموظفين العامين وتكون مظنة لجرائم فساد أو استغلال.

1 صدر نظام مكافحة غسل الأموال السعودي عام 1424هـ وما تبعه من تعديلات، وأورد الأفعال التي يعد مرتكبها قد ارتكب جريمة غسل الأموال.

2 البعد الدولي والعابر لجريمة غسل الأموال يضفي شيئا من الصعوبة على ملاحقة مجرميها ما لم يكن هناك تعاون جاد ومثمر بين الدول.

3 مكافحة جرائم غسل الأموال لا تقف عند حد التجريم أو التحري، بل يجب أن تشمل آليات فاعلة تضمن كشف أي ظهور لعمليات أو أساليب غسل جديدة للأموال.

4 في التحقيق الموازي تعد جريمة غسل الأموال مستقلة عن الجريمة الأولية أو الأصلية كونها تابعة في حقيقتها لجريمة أخرى.

[email protected]