عبدالله العولقي

علم المستقبل واستشراف آفاقه

الاثنين - 30 أبريل 2018

Mon - 30 Apr 2018

دراسة علم المستقبل واستشراف آفاقه تعتمد على التحليل المستقبلي للحضارة والثقافة الإنسانية عبر مؤشرات علمية متخصصة، ولذا فهو محور مفصلي يفرق بين دول الركب الحضاري المتقدم عن قريناتها المتخلفة عنه، ولهذا كان حرص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على علوم المستقبل واستشراف آفاقه أولوية قصوى في رؤيته الوطنية من حيث رسم وصناعة المستقبل المنشود.

في الأكاديميات الغربية ومعاهدها العلمية نجد التنافس على أشده في إنشاء الأقسام المتخصصة بعلوم المستقبل واستشراف آفاقه Futurology، وهو عملية بناء افتراضات مستقبلية بناء على دراسات علمية وحسابات دقيقة تعرف بعناصر المخاطرة، فمثلا تشير دلائل علم المستقبليات اليوم أن التفوق الحضاري والعنصر الحاسم في الريادة الإنسانية سيتجه إلى مجالات الذكاء الصناعي، حيث سيتفوق في ميزانياته التمويلية على كثير من الصناعات العملاقة والإنفاقات العسكرية والاقتصادية، ومن هنا كان اهتمام ولي العهد بهذه التكنولوجيا المستقبلية الحاسمة في عقود الشراكات الضخمة والهائلة خلال جولاته المكوكية بين الولايات الأمريكية والدول الأوروبية.

إن التغيير المتسارع الذي نشهده اليوم في علوم التقنية والنانو وتدافع الاختراعات والمستكشفات العلمية يعطي لعلم المستقبل أهميته ومكانته اللتين تمنحانه الجدول الزمني المخصص له بالعمل وبمضمونه ومنهجه العلمي، وتتلخص هذه المستقبليات بدراسة المحتمل والممكن واستشراف آفاق المستقبل وتقديم الحلول لمواجهة المخاطر الممكنة، ولذا يؤكد علماء المستقبل أن المفتاح الأساسي لقضايا وشؤون المستقبل يكمن في تحديد وتقليص عنصر «اللايقين» لأنه يمثل المخاطرة العلمية، ولعل الشواهد والدلائل تعج في تجارب الأمم والشعوب، بين التي غرقت في تمجيد ماضيها وبين التي اقتحمت أسوار مستقبلها عبر العلم والتكنولوجيا.

إن بداية الطريق القويمة لأي إصلاح تنموي مستقبلي للأوطان تكمن في إدارة التغيير الناجحة التي تلغي المنظومة السلبية الكابحة لعوامل النهوض والتقدم، كما شهدنا مثلا في الإجراءات الحازمة ضد الفساد والمحسوبية والتطرف والانحلال، ومن جهة أخرى فهي تؤسس لثقافة الإيجابية الكامنة في الإبداع والموهبة وترسيخها في المجتمع، وهذا ما نراه اليوم واقعا ملموسا في المشهد السعودي في رعاية الفنون والمسرح والموسيقى والأوبرا والسينما والآداب والثقافة والفكر.

إن أهمية علوم المستقبل تكمن في حاجة المجتمعات الماسة إلى مؤشراتها الاستشرافية من أجل مواجهة التدفق العلمي الهائل ورسم التخطيط المتناغم لها مع النمو السكاني لمعرفة اتجاهات البوصلة الحضارية، وتحديد طرق الأهداف المنشودة في خارطة المستقبل.

كما أن ترسيخ ثقافة المستقبليات في عمق الثقافة الوطنية سينتج تحولا محوريا من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج وعلى الأصعدة كافة، فعلم المستقبل لا يختص بتنبؤ علوم التكنولوجيا والذكاء الصناعي فحسب، بل يشمل فنون الأدب المتنوعة، وعلى سبيل المثال نحن في حاجة ماسة إلى تأصيل أدب الخيال العلمي في ثقافتنا الوطنية، فهو محور تكويني في علوم المستقبليات، وقد شهدنا في العقد الأخير ازدهارا رائعا عند الشباب في إبداع وتأليف الرواية والأقصوصة والقصيدة، ولكن يعاب على المضمون دورانه في تكرار ذات المغزى الكلاسيكي أو بمعنى توطين الفكرة الأجنبية، بينما يكاد ينعدم مخزوننا الكتابي الإبداعي في فن أدب الخيال العلمي مثلا، ولكن في اعتقادي الشخصي أن هذا الفن الإبداعي سيشهد تطورا حتميا ورواجا تنافسيا بين مبدعي الكتابة لدينا في القادم الزمني كنتاج طبيعي بعد إنشاء وادي السيليكون التقني في المملكة وازدهار صناعة وتطور تطبيقات الذكاء الصناعي لدينا.

[email protected]