عبدالغني القش

تجارة الديات.. مبالغات.. وغياب محددات!

الجمعة - 20 أبريل 2018

Fri - 20 Apr 2018

الدية هي حق القتيل، وجمعها ديات، وهو مال مؤدى في مقابل إتلاف نفس. وقد قدر الإسلام هذه الديات وحددها، ولم يتركها وفقا للأمزجة والأهواء والتعسف، ولكننا نلحظ - في أيامنا هذه- المبالغات المقيتة فيها، فباتت بعشرات الملايين، حتى بلغني مؤخرا أن شخصا طلب مئة مليون ريال مقابل التنازل، وبعد الوجاهات والشفاعات تم تخفيضها إلى عشرين مليون ريال يتم حاليا جمعها، والمهلة حتى حلول رمضان القادم!

وبين الفترة والأخرى نطالع في الصحف المحلية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الجوال طلبات التماس للإسهام بدفع دية تصل لعشرات الملايين لإنقاذ رقبة شخص من القصاص، حتى باتت ظاهرة في مجتمعنا – مع بالغ الأسف – تسيء له وتشوه صورته، بل وربما امتد ذلك لديننا وسمعته؛ فالمتابع يجد مبالغات في مبالغ هذه الديات لا يقرها عقل ولا منطق!

وكم نحن بحاجة – وخاصة في هذا التوقيت – إلى إظهار مجتمعنا وديننا بالصورة الزاهية، لمقابلة الهجمة الشرسة التي يقوم بها المناوئون لهذا الدين والحاقدون على شعبنا النبيل ودولتنا المباركة.

وقد قامت بعض القبائل - باجتهاد منها - بمحاولة تحديد قيمة الديات للحد من المبالغات التي باتت تشكل معاناة لا حد لها، ففيما يتعلق بالنفس كان المقترح أن يحدد لولي الدم في حال تنازله مبلغ وقدره 5 ملايين ريال كحد أعلى، ومليون ريال في حال وقوع إصابات بليغة، وما دون ذلك من إصابات تكون قيمة الصلح نصف مليون ريال كحد أعلى، بحيث يتناسب المبلغ مع نوع الإصابة. واستثنيت القضايا المخلة بالشرف والمخدرات وما يندرج تحتها.

إن مثل هذه الظاهرة تحتم تكثيف التوعية في أوساط المجتمع؛ فمثل هذه الأعمال يجب أن يكون العفو فيها خالصا لوجه الله تعالى، وتشجيع من يوافق على العفو دون مقابل، وتسليط الضوء على عمله الخيري إعلاميا، على أن يقابله عدم الاهتمام بأصحاب الديات الكبيرة، فمن العجب أن البعض يقول «عفوت عن فلان بمبلغ كذا»، وهذا ليس عفوا، وإنما تنازل بمقابل.

وبودي تنفيذ حملة توعية مماثلة بمخاطر حمل السلاح، والاعتداء على الآخرين، حتى نضمن التقليل من حوادث القتل التي أصبحت في تزايد مستمر ولأسباب متعددة، مع الأسف.

إن مثل هذه المبالغ الطائلة في الديات - في تصوري- قد تكفي أشخاصا كثيرين يعانون من العوز والحاجة، فلا يجب أن نحرم آلاف الأشخاص بسبب شخص واحد، فالأولى أن تكون هذه المبالغ للجمعيات الخيرية وأعمال البر التي يستفيد منها كم كبير من الناس.

إن الحاجة تدعو إلى تحديد سقف أعلى للديات في القتل العمد، مع عدم تجاوزه بأي حال من الأحوال، إضافة إلى إيجاد ضوابط في حالة المطالبة بديات كبيرة، وعدم ترك الحبل على الغارب، وفي ذات الوقت دعم لجان إصلاح ذات البين في المناطق والمحافظات بميزانيات خاصة، حتى تؤدي دورها في الإصلاح بين الناس، خاصة أنها لجان موثوقة أكثر من بعض الأفراد الذين يرتجلون الصلح، ومكافأة الذين يوافقون على العفو لوجه الله تعالى دون الحصول على أي مبالغ، أو الحصول على الديات الشرعية فقط، وهم كثر ولله الحمد.

وتتملكني الدهشة من تفاقم هذه المبالغات في الديات يوما بعد آخر، ويعتصرني الألم؛ ففي الوقت الذي يسعى فيه الجميع إلى إظهار هذه البلاد بصورة تليق بها، تأتي هذه الظاهرة لتشوه سمعتها وتظهر مجتمعها بصورة أقل ما يمكن أن توصف به أنها غير لائقة.

فهل نطمع في تلاشي هذه الظاهرة الدخيلة، ووضع محددات واضحة وضوابط صارمة لها؟ والأهم هل يتحرك العقلاء لنشر الوعي، وهل يقوم الحكماء ببيان أهمية العفو؟