عبدالغني القش

جمعياتنا.. انتقال من التسول للتنمية!

الجمعة - 06 أبريل 2018

Fri - 06 Apr 2018

أضحى العمل التطوعي مطلبا ملحا في كثير من جوانب الحياة، وأصبحت الجمعيات الخيرية تؤدي عملا مساندا لما تقوم به مؤسسات الدولة بشكل حضاري تكاملي.

والمجتمع السعودي عرف الجمعيات الخيرية من خلال تقديم أوجه العون المادي ومساعدة المعوزين والفقراء وبطرق وأساليب مختلفة.

لكن الواقع يؤكد أن معظم الجمعيات تعتمد على التبرعات والهبات، وليس لها موارد ثابتة تعتمد عليها في ميزانيتها لتبني عليها استراتيجياتها وبرامجها المستقبلية؛ لأسباب جوهرية، منها عدم ثبات الموارد، فمن يدعم اليوم ربما يحجم غدا، ومن يقوم بالتبرع هذا العام لا تضمن الجمعية دعمه لأعوام قادمة، وهي مشكلة أزلية، جعلت بعض الجمعيات يخفت نشاطها إلى درجة الاضمحلال، وربما أغلقت أبوابها بطريقة أو بأخرى، وبقيت شكلا بلا مضمون!

وقد تعددت أساليب التسول (وأعتذر عن قسوة اللفظ) واختلفت صورها، ولعل من آخرها عرض الأزياء الذي أقيم لصالح إحدى الجمعيات، وأحدث لغطا كبيرا، واستهجانا واسعا للفكرة، ناهيك عن الأمور التي أغاظت الكثيرين، وهم ينتظرون نتائج التحقيق في القضية ومعاقبة المتسبب بفارغ الصبر.

وعندما أقول أساليب التسول فهذا واقع مرير، وقد كشفت دراسة علمية سعودية أن 90% من موارد الجمعيات الخيرية و94% من موارد لجان التنمية الاجتماعية تعتمد على الدعم والتبرع، في حين أن الموارد المستدامة لا تتجاوز 10% للجمعيات و6% للجان التنمية الاجتماعية، الأمر الذي يمثل خطورة بالغة على مستقبل الجمعيات والجهات غير الربحية ومستقبل خدماتها المقدمة للمستفيدين، لكون الدعم والتبرع غالبا ما يعتمد استمرارهما على الظروف الاقتصادية والاجتماعية.

الجمعيات تصارع من أجل أداء رسالتها وسط العديد من التحديات والصعوبات والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية. وفي هذه الظروف وجدت نفسها أمام تحد كبير، وأن عليها البحث الجاد عن موارد ثابتة وأساليب حديثة لتقديم الخدمات، تواكب التطور الحضاري، لضمان استمرار رسالتها، وحتى لا تستسلم للظروف ثم تكون بداية النهاية، وهو ما لا يريده القائمون عليها وكل من يحب العمل الخيري ويسعى من أجله.

وهذا يتطلب - بطبيعة الحال- إيجاد آليات ومنهجية تقوم على أسس علمية، والإفادة من تجارب الآخرين لتجاوز مرحلة تحصيل الدعم والتبرعات، والوصول لمستوى رفع القدرات، والارتقاء بمعدل الأداء، ووضع استراتيجية توفير الموارد بشكل مستدام، بعد الالتزام بالضوابط والمعايير المهنية والمؤسسية. ومن العناصر المهمة لمواجهة الأزمة المالية لدى الجمعيات البحث عن بدائل وموارد إضافية، وتطوير الواقع الإداري والتنظيمي للجمعيات.

وبمعنى أوجز فإن الأنظار يفترض أن تتجه صوب الاستثمار في مشاريع تعزز مواردها، وقفية أو إنتاجية، في شتى المجالات، وتقديم مختلف الخدمات، أو من خلال الشراكة مع بعض البنوك والمؤسسات لأجل إيجاد دعم ثابت عبر عمليات الشراء أو التحويل أو المداولات المالية، أو غيرها من الخطط والبرامج والمشاريع.

لا شك أن المال يمثل عصب الحياة وخصوصا للمؤسسات الخيرية، لكن اعتمادها في الغالب على التبرعات من كافة شرائح المجتمع لتمويل وتنفيذ برامجها هو في تصوري خطأ استراتيجي فادح.

وقد ظهرت مؤخرا أفكار جديدة كفكرة التبرع عن طريق الرسائل، وتوظيف مختصين بتنمية الموارد المالية، ووجود موقع الكتروني خاص بالجمعية يكون تفاعليا، وكذلك على شبكات التواصل الاجتماعي لتسويق المشاريع وتفعيل الاستقطاع الالكتروني، وفكرة الاستفادة من الهللات، وكل ذلك تطور معاصر جيد، لكنه في تصوري ما زال في عباءة التسول، وتحفه خطورة عدم ثبات الدخل.

والمفترض الاتجاه للاستثمار والأوقاف وغيرها من الأمور التي تمثل دخلا ثابتا ومضمونا للجمعيات، وقد شرعت بعض الجمعيات في هذا الاتجاه، لكن الحديث عن الغالب الأعم، فهل تخرج جمعياتنا من عباءة التسول لآفاق التنمية الدائمة؟!