أحمد الهلالي

أطباء بلا رؤوس!

الثلاثاء - 27 فبراير 2018

Tue - 27 Feb 2018

يكدح علماء الطب في معاملهم ومختبراتهم مئات الساعات، يجرون التجربة وراء التجربة في ابتكار الأدوية ودراسة جدواها وأضرارها الجانبية، وتتبع الأمراض والأوبئة والفيروسات، ومراجعة ما سلف من علوم طبية، ثم تأييدها أو نقضها بالأدلة والبراهين كلما ابتكرت أداة طبية أكثر دقة، ويؤلفون الكتب والمراجع والمعاجم الطبية.

أما طلاب الطب فيدرسون سبع سنوات متواصلة على الأقل، ثم ينتقلون إلى التدريب تحت إشراف أساتذة في الطب، ثم يعملون مساعدين مع استشاريين كبار، ناهيك عن البحوث ومتابعة ما يستجد في تخصصاتهم من خلال المراجع العلمية، كما يظلون منشغلين بمرضاهم وحالاتهم، وبالتدريب على اتباع الطرق العلمية الدقيقة في التعقيم وتهيئة الأماكن والظروف الصحية للمرضى، ويعبرون في تشخيص الحالات المرضية عشرات المسالك حتى يصلوا إلى يقين تشخيص الحالة المرضية ثم بعد ذلك يقررون العلاج، ويستمرون في متابعة المريض، فتجد الطبيب منهمكا يتابع مرضاه في عيادته وفي الطوارئ وفي غرف التنويم بأنواعها، وأحيانا تصل إلى مواصلة المريض عبر الهاتف للاطمئنان على حالته.

كل ما سبق ينتفي في عرف المعالج الشعبي البدائي، أو ما يحاول بعضهم تزويقه بمصطلح «الطب البديل»، فلا فحص لأدويته الشعبية من الأعشاب وغيرها، ولا فحوص مخبرية ولا شعاعية ولا أجهزة قياس، يكتفي بنظرة عينه «المجردة» ولمسة يده «المجردة» أيضا، فيصف لمريضه أعشابا لا يعلم عن كمية «السمية» فيها، ولا عن أضرارها الجانبية، وبعضهم اشتهر بالكي، فالنار موقدة والسيخ محمر، وجسد المريض سبورة ساذجة تصطلي بعبثيته، وقد سمعت أن أحدهم ينقش جسد المريض بأكثر من مئة كية، أما بعضهم فقد استهوته مقاطع الفيديو التي انتشرت قبل مدة، عن تعليق المرضى رأسا على عقب لمعالجة انزلاقات العمود الفقري، أو يبرك بثقله على ظهر المريض ليطقطقه، وغير ذلك من طرقهم الرهيبة التي لا أعرفها وأسأل الله ألا أعرفها.

ثم يأتي صاحب العلاج العاطفي «الراقي» كل مؤهلاته أنه «مطوع» يحفظ آيات بعينها يرددها على مسمع المريض بتكرارات مختلفة، ويده على جبهته أو على موضع الشكوى، ويصف العلاج بعد التشخيص السريع جدا الذي لا يخرج عن «السحر ـ العين ـ المس»، ولكل واحدة منها درجات معينة، فقد يكون الساكن «جنيا مراهقا، جنيا عاديا، جنيا غنيا، جنيا أميرا، جنيا ماردا، جنيا من ملوك الجن»،ويكون العلاج سوائل تقبل النفث المبارك فيها، تتدرج كثافتها «ماء، زيت، عسل» ومؤخرا اكتشفوا الحالة الصلبة في «السفوف» وقد اقتبسوا من «المستشفيات» فكرة كتابة وصفة الدواء إلى عامل يجلس جوار كراتين الأدوية، مهمته الحقيقية أن يقبض المبلغ، ففضيلته «يتنزه» عن طلب النقود من المريض، كما أخذوا أيضا فكرة أوعية السوائل لتكون قارورة تشبه قارورة شراب الكحة، توحي نفسيا بأنها دواء، ونسأل الله ألا نرى قريبا بخاخات أو إبرا أو سوائل وريدية، أما «الخيزران والكفوف والعقال والركب» فتكون للحالات المستعصية، إذ لا يعترف الراقي بفكرة «التحويل» إلى راق منافس!

يقال «الغريق يتعلق بقشة» ومن لا يجد علاجه في الطب العلمي، يلجأ إلى النوعين الآخرين، ومصطلح «الطب البديل» جاء لشرعنة هذا التعلق، لكن هذا لا يكفي تبريرا، فلو كان الأمر لا يتجاوز العلاج الطبيعي العادي، ولا يتعدى القراءة الخارجية لسلمنا من أجل حالة المريض النفسية، لكن أن تصل الممارسات إلى داخل جسد المريض، فإني أرى وجوب تدخل وزارة الصحة والجهات المختصة لإيقاف هذه الخزعبلات المؤذية، فمن الكارثي أن نيأس من شفاء المريض فنسلمه إلى جشع هؤلاء، وكأننا نعده «شاة ميتة لا يضر سلخها بعد ذبحها».

ahmad_helali@