عبدالله المزهر

حياة مستعملة

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 26 فبراير 2018

Mon - 26 Feb 2018

والحديث عن «الحياة الطبيعية» ذو شجون، وذو أشياء أخرى أيضا، يصعب أن يتحدث أحد عن هذا الأمر دون أن يصنف من قبل «المصنفاتية الجدد» ضمن فريق أو تيار. ويصعب أيضا أن يبدو المتحدث عن هذا الأمر حسن النوايا، ليس لأنه سيئ النية فعلا، بل لأن افتراض حسن النية ـ لأسباب لا أعلمها ـ لم يعد ضمن خيارات المتلقي في هذه الأيام.

يوجد فئام من الخلق يظنون أو يؤمنون أو ربما يريدون دون إيمان ولا ظن ـ لا أعلم مدى قوة اعتقادهم ـ أن الحياة الطبيعية تعني التحلل من كل شيء، ويعتقدون أن الحرية تعني الانحلال. وأن الحياء هو آخر ما يمكن أن يحتاجه الإنسان ليعيش حياة طبيعية.

والساقطون والساقطات و»السملق والسمرمد» ـ كما يسميهم إمامنا جميل الرويلي ـ موجودون في كل المجتمعات ومنذ بدء الخليقة، لكن الذي تغير ببساطة أنهم كانوا على هامش الحياة، وكانوا يخجلون من أفعالهم، أما الآن فقد أصبحوا مقدمين على غيرهم، وكل تصرف ساقط منهم أصبح يقدم للعالمين على أنه رغبة مكبوتة لدى «المجتمع السعودي» الباحث عن الحياة الطبيعية.

المجتمع السعودي مجتمع عاش فترة طويلة منغلقا على أفكار بعينها لا يعرف غيرها، ولا يحق له أن يعرف غيرها، وعانى كثيرا من ضيق دائرة «المباحات» حتى أصبح باب سد الذرائع كأنه الباب الوحيد الذي يدخل من خلاله إلى دائرة الإسلام، وإنكار هذه الحقيقة شيء يشبه محاولة تنظيف الشارع بفرشاة أسنان.

لكن الانتقال من التشدد التام إلى الانحلال الكامل يعني الانتقال من حياة غير طبيعية إلى حياة غير طبيعة أخرى، وفكرة التخلص من كل شيء تبدو هي الأخرى فكرة غير سوية. ولا أزعم أن هذا حدث لكن تبني بعض وسائل الإعلام لفئات شاذة في المجتمع وتقديمها على أنها «أيقونات» تمثل السعوديين ربما يعني أن الانحلال أصبح هدفا «لبعض الناس».

والمربع الأول الذي نعود إليه في كل قضية، هو أن «إغاظة» الآخر هي البرنامج المعتمد لدى كل التيارات التي تزعم أنها تمثل المجتمع. مع أنهم في غالبهم لا يمثلون حتى أنفسهم.

الصحويون والترفيهيون ـ إن صحت التسمية ـ موجودون في كل الأزمان، كل ما في الأمر أن أدوات السيطرة على المجتمع تعطى لهؤلاء ثم تعطى لأولئك، وظهور أحدهما لا يعني اختفاء الآخر، كل ما في الأمر أن المفاتيح سحبت من سائق وسلمت لسائق آخر.

وعلى أي حال..

المجتمع بالفعل يريد أن يعيش حياة طبيعية، لكنه ليس من شروط الحياة الطبيعية أن تكون مستوردة، فنحن أمة لها تاريخ وتراث وثقافات وفنون وتنوع وثراء وجمال، نريد أن نغني وأن نفرح وأن نقرأ ونكتب وأن نعمل وأن نشبه أنفسنا، نريد أن يرى العالم صورتنا الجميلة، وأن نعيش حياتنا التي تخصنا لأن ذلك أجدى من استيراد حياة مستعملة.

@agrni