عبدالله العولقي

سوريا.. لم تعد سوريا

الثلاثاء - 30 يناير 2018

Tue - 30 Jan 2018

الخارطة الجغرافية لسوريا لم تعد تلك التي عرفناها ودرسناها في مدارسنا وجامعاتنا، فالأطماع المتشابكة والتدخلات المعقدة التي أوقعتها الأطراف المتصارعة في الأرض السورية حولتها إلى خارطة مجهولة، يتغير رسم حدودها وتتباين أطرافها المتآكلة بصور متسارعة ومتلاحقة تبعا لنشرات الأخبار، ووقعا لتغير النفوذ اليومي بين الفئات المتقاتلة والمتحالفة داخل الأراضي السورية.

لم يعد الإطار الجغرافي لسوريا ميدانا للحرب الأهلية بين النظام والثوار فحسب، بل تطور الأمر ليشمل تدشينا لحرب باردة جديدة بين القوى العظمى (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا) وحربا باردة مصغرة بين أنقرة وطهران لاقتسام المكانة والنفوذ في الوطن العربي على حساب الأراضي العربية والشعب السوري المشرد في كل أصقاع الأرض، كما أن الصهاينة يراقبون الوضع عن كثب ويحلمون بوعد بلفوري جديد يمكنهم بالتوسع الاستيطاني داخل الشام العربي، ولا ننسى المكونات الإرهابية المعقدة والمتشابكة في الداخل السوري، والتي تحظى بدعم الملالي الصفوي، وعلى رأسها قوات حزب اللات التي تنافح بشراسة عن نظام الأسد المتهالك، أو الجماعات الإرهابية الأخرى التي تدعمها الدوحة والتي يرتكز نظام الحمدين بها على تأجيج الإرهاب والصراعات في أرجاء الوطن العربي.

الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترمب غيرت نمطها في التعامل مع موسكو في سوريا من نمط التعاون إلى نمط التنافس، واليوم هناك تنافس متعاظم بين الروس والأمريكان على بناء القواعد العسكرية في الأراضي السورية، فالأمريكان أنشؤوا قاعدتين، الأولى بالقرب من الرقة في الشمال السوري، والأخرى في منطقة الطنف، ولديهم أجندة ومخططات لإفشال الوجود والحلم الروسي في المنطقة، وأما الروس فلديهم قاعدتان أيضا، إحداهما بحرية في طرطوس، والأخرى قاعدة جوية في حميميم، والعرب اليوم يخشون أن تتطور الأمور بين هاتين الدولتين العملاقتين وتتعقد العلاقة بينهما على حساب الأراضي السورية وشعبها المشرد.

وهناك صراعات باردة أخرى تجري بين طهران وأنقرة في الأراضي السورية لأجل انتزاع المكانة والسيادة في المنطقة، فنظام الملالي ونواياه الشريرة وأحلامه البائسة بالسيطرة على منطقة الشام العربي وتحويلها إلى ما يدعيه بالهلال الشيعي لتطويق الجزيرة العربية من الشمال يواجه اليوم أزمات داخلية تتفجر بين الفينة والأخرى في مدنه وأقاليمه على شكل ثورات خضراء تطالبه بالانسحاب من سوريا والتخلي عن طموحاته الواهنة وأحلامه المستحيلة، بل وتدعوه إلى الاهتمام بحقوق الشعب في الداخل والالتفات نحو مطالبه المشروعة لأن السيل لديهم قد بلغ الزبى والصبر عندهم وصل إلى المنتهى.

أما الأتراك ومشروع التوسع الإردوغاني فلا يختلف في طموحه كثيرا عن نظام الملالي ولكن بصورة أكثر ذكاء وحنكة، فاللغة الإردوغانية لا تتخذ أشكال التصعيد والعنصرية ضد العرب كما يفعل الملالي، ولكن نواياه ولغته العنصرية تتضح بجلاء تجاه الأكراد عندما تضرب القوات العسكرية التركية الأراضي الكردية في سوريا بقوة وعنجهية بل ويستفز مشاعر الأكراد والسوريين بإطلاق مسمى «غصن الزيتون» على عملياته العسكرية تجاههم، بل ويتطور الأمر عندما تهاجم أنقرة الولايات المتحدة لأنها تستخدم الشعب الكردي كحليف لها في سوريا، وكتعبئة بشرية في لعبتها الباردة أمام روسيا، والعرب اليوم ينظرون إلى أنقرة أنها تحمل ذات الأجندة التي تحملها طهران بالسيطرة والتحكم في بلدان العرب وعلى حساب الشعوب العربية وأوطانها.

واليوم، أضحى الشعب السوري يتواجد في كل أصقاع الدنيا وأقطابها جراء تشريده وتهجيره من قبل الصراعات الإقليمية التي تفتك بوطنه، غادر أحلامه في وطنه وشرع في بنائها في أوطان الغربة، كان بيد الرئيس «البائس» بشار الأسد أن يصد كل تلك المؤامرات والنزاعات لو أنه وضع يده بيد إخوانه العرب واستمع لنداءاتهم وغادر منصبه بهدوء وترك شعبه يعيش آمنا مطمئنا في وطنه وكرامته، ولكنه آثر أن يلعنه التاريخ حيثما رحل وفي كل مكان قام فيه أو نزل.