من خطب الجمعة

السبت - 20 يناير 2018

Sat - 20 Jan 2018

الحياء

«الحياء خلق الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من الصحابة والتابعين، فهذا موسى عليه السلام قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شيء استحياء منه)، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد تسنم صور الحياء في أعلى قاماتها، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه).

إن الحياء صفة للرب جل جلاله وتقدست أسماؤه، وحياء الرب تبارك وتعالى، حياء جود وكرم، وبر وجلال، فإنه سبحانه حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين، ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام، وفي الأثر: يقول الرب جل جلاله: (ما أنصفني عبدي، يدعوني، فأستحيي أن أرده، ويعصيني ولا يستحيي مني).

يجب على المسلم أن يستحي من الخالق سبحانه، فلا يتأخر في طاعته، ولا ينسى شكر نعمه، ولا يراه حيث نهاه، أو يفتقده حيث أمره، فالله جل جلاله وتقدست أسماؤه، أحق أن يستحيي منه، وبذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه.

الحياء دليل على رجاحة العقل، وأدب في التعامل مع الخلق، وطريق خير وصلاح، وسعادة وفلاح، في الدنيا والآخرة، الحياء شعار المتقين، ودثار الصالحين، وجلباب ستر الله على عباده المؤمنين، وإذا أصر العبد على الذنوب والمعاصي، ولم يسلك طريق التوبة، نزع منه الحياء، ومن نزع حياؤه حل هلاكه، فتمادى في تحصيل شهواته، وظهرت مساوئه، ودفنت محاسنه، وكان عند الناس مهانا، وعند الله ممقوتا.

من مظاهر نقص الحياء، انتشار الألفاظ النابية، والتصرفات المشينة، والكذب والتضليل، وعدم احترام الآخرين، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يرعى لكبير حقا، ولا لصغير ضعفا».

ماهر المعيقلي - المسجد الحرام

البركة

«إن الله تعالى قد جعل الأرض مستقرا لحياة العباد وبارك فيها واصطفى أنبياءه وأنعم عليهم بالبركة في حياتهم وأعمالهم، وثبتت بركة النبي صلى عليه وسلم ورآها الصحابة رضي الله عنهم بأعينهم، وللقرآن بركة في اتباعه والعمل به قال تعالى (هذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون).

إن البركة تعني النمو والازدهار إذا حلت في قليل كثرته وإذا قرت في مكان ظهر أثرها وفاض خيرها وعم نفعها المال والولد والوقت والعلم والعمل والجوارح، وجعل الله تعالى البركة في البيت العتيق وطيبة الطيبة والمسجد الأقصى وما حوله قال تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين).

إن الله سبحانه وتعالى بارك في أمة النبي صلى الله عليه وسلم فنمت وازدهرت حتى سبقت كل الأمم، فالمسلم يتحرى البركة أين ما حل لتغمر جسده وحياته وأولاده وكل ما حوله.

على المسلم أن يستجلب البركة لبيته بدوام ذكر الله وقراءة سورة البقرة، مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة)، وتستجلب البركة بملازمة الاستغفار، وتستجلب بحرص المسلم على صلاة الفجر مع الجماعة، وبطلب البركة بدعاء الله عز وجل فهو خير جالب لفضلها ومدر لنعيمها، وتتحقق البركة بلزوم تحية الإسلام التي هي من خصائص الإسلام ومن خصائص هذه الأمة المباركة وتستجلب في التجارة بالصدق والبيان وصلة الرحم وتزيد في العمر وتبارك في الرزق والتآلف والاجتماع وعدم الفرقة ومدعاة لحصول البركة وحلولها.

إن البركة إذا حلت في حياة المسلم فإن الله تعالي قد رزقه عقلا ناضجا بالفقه وقلبا حيا بالعلم والإيمان، وتظهر البركة في حياة المسلم بأن يوفق لإنتاج غزير وإنجاز مترادف خيراته في زمن يسير بجهد يسير وهذا عون خاص يمد به المرء ويكون قوة له على الطاعة والعمل».

عبدالباري الثبيتي - المسجد النبوي