حفر الموت.. من يعزي الشوارع والأمكنة؟

الجمعة - 19 يناير 2018

Fri - 19 Jan 2018

صورة الأب السعودي المكلوم الذي فقد سبعة من أفراد أسرته في حادث مروري مروع، وهو يتكئ على قهره وحزنه عليهم كما لو أن لسان حاله يقول (أيها الراحلون.. خذوني معكم).. تسيدت مواقع التواصل الاجتماعي، ولو أنها ارتبطت بهاشتاق لحصدت النسبة الأعلى في التداول والمشاهدات.

ولأن الصورة حسب نظرية ترتيب الأولويات الإعلامية ستتلاشى إعلاميا مع صعود قضايا أخرى – وما أكثر قضايانا – فإن السبب الذي أحدثها سيظل باقيا طالما أن أحدا لا يعبأ بالموت إلا بعد حدوثه، الأمر الذي سيجعل الحوادث المرورية التي تحدث بسبب إهمال وتقصير القائمين على صيانة الشوارع عنوانا جديدا للموت الذي ينتهي بعبارة (وما زال التحقيق جاريا مع المتسبب).

تبدو الكتابة عن حفر الشوارع أمرا في غاية السذاجة للوهلة الأولى، وقد يتهمك أحدهم بالفراغ ويقول لك (أنت فاضي) لا لشيء، ولكن لأنها - أي حفر الشوارع- ظلت غائبة كغيرها من التفاصيل الصغيرة التي كان لها أن تجعلنا في مصاف دول تجاوزت أحلامها بعد أن اعتنت بمثل هذه التفاصيل، أقول إن غياب ذلك عن أجندة الأدبيات التي كنا نتلقاها ليل نهار والتي تتجلى -أكثر ما تتجلى- في الخطاب الوعظي الذي شكل كثيرا من وعينا، ورتب لنا القضايا التي يجب أن نهتم بها والتي يجب ألا نهتم بها، كذلك أفضى إلى أننا لم نعد نتذكر أن شوارعنا غير جيدة إلا إذا فجعنا بقصة مشابهة لقصة عائلة الأب المكلوم، أو إذا اندلق كوب الشاي الساخن على ثوب أحدنا نتيجة وقوع سيارته في إحدى هذه الحفر التي جعلت شوارعنا تشبه كثيرا ثوب الفقير (المرقع) الذي نشاهده في الدراما، ولو أن داعية قال للناس - في ذلك الزمن - إنه سمع أحد الثقات يتحدث عن قبر رئيس إحدى البلديات القدامى وكيف أنهم وجدوا فيه حفرا تشبه تلك التي كان يهمل صيانتها للحد الذي جعل منها مصدرا للموت، مليئة بالثعابين لكان الناس يتسابقون اليوم على الاحتساب والتطوع لردم هذه الحفر.

حتما لا أتهم أحدا بذلك، وأعلم أن الكل يعلم أن سبب تدهور حال شوارعنا لا يقف خلفه داعية ولا غيره، وإنما - وبكل بساطة - يقف خلفه (لصوص) سمحوا لأنفسهم أن يعيشوا على الفتات الذي تمنحه لهم الشركات المنفذة التي لا يعنيها إن كان الشارع الذي أنجزوه ما زال صالحا للسير أم إنه تحول إلى (خرابة) بعد هطول أول قطرة مطر عليه، والأمل - كل الأمل - أن نرى ونسمع قريبا ما يشفي غليل الأب المكلوم وغيره من الآباء الذين رحل عنهم فلذات أكبادهم ولم يسعفهم الإعلام في انتشار قصصهم، قرارات تحفظ للناس حقهم في السير على شوارع تتوافق مع الميزانيات التي تصرف لأجلها.

ختاما، عزائي لكل أب مكلوم فقد أهله وخلانه بسبب كهذا السبب الموجع، ولم يبق له غير أماكنهم وذكرياتهم الجميلة، ولكن من يعزي الشوارع والأمكنة ؟

@wamly2016