فاتن محمد حسين

نحن وشجاعة التغيير الاجتماعي الوطني

الخميس - 11 يناير 2018

Thu - 11 Jan 2018

لقد كان للقرارات الملكية الأخيرة صباح فجر السبت 19 /‏4 /‏1439 أثر كبير في نشر الفرح والبهجة في أرجاء الوطن، حيث حملت في طياتها بشارات اقتصادية جمة للمواطن، وشملت إعادة صرف العلاوة السنوية لموظفي الدولة، وبدل غلاء المعيشة للمدنيين والعسكريين والمتقاعدين ولمنسوبي الضمان الاجتماعي، وكذلك زيادة مكافآت الطلاب والطالبات لمدة عام، وإعفاء الخدمات الصحية والتعليمية والمسكن الأول من القيمة المضافة.

ولم تمض بضعة أيام على تطبيق القيمة المضافة التي فرضت، وزيادة الرسوم على الكهرباء والغاز والوقود وبعض السلع الغذائية والتموينية حتى جاءت القرارات الملكية لتجسد اهتمام القيادة بالمواطن وتذليل الصعوبات أمامه، وبلسما شافيا متناغما مع مواكبة الإجراءات التصحيحية لإصلاح اقتصادنا الوطني.

ولكن ما يجب أن نركز عليه هو أن هذه القرارات لعام واحد، وربما يكون عاما للتدريب على مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تحتاج منا لضبط السلوك الفردي، وترشيد النمط الاستهلاكي للمواطن، وضرورة أن يكون لدينا المرونة للتغيير وتبني سلوكيات اقتصادية جديدة. فقد عشنا طفرات اقتصادية كبيرة جعلت سلوكنا يميل إلى الهدر والإسراف في كل شيء، بدءا بالأسرة من تغيير الأثاث وشراء الكماليات، بل الإسراف في الطعام والشراب، وأصناف الأطعمة والمأكولات، والحلويات، والمشروبات، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه». والنتيجة في عدم اتباع هذا المنهج النبوي هي زيادة الوزن وأمراض السمنة والسكري والضغط، وربما أمراض خطيرة كالقلب والشرايين وغيرها. فعدد الإصابات بالسكري أكثر من 150 ألف إصابة سنويا، بنسبة 30% من السكان، وللأسف حتى الأطفال لحق بهم هذا المرض، بسبب الإفراط في تناول الحلويات والمشروبات الغازية والعصائر المعلبة. كما لجأ الكثيرون إلى معالجة السمنة قسريا من خلال العمليات الجراحية التي أضحت تجرى للتخفيف من مظاهر البدانة ومشكلاتها. وهذه الإجراءات الصحية والعلاج تكلف الدولة مليارات الريالات كل عام.

فإذا أضفنا إلى ذلك عاداتنا السيئة في الحفلات والمناسبات وحتى المآتم - في بعض المدن - من هياط في توفير موائد وبوفيهات مفتوحة بأشكال وألوان للأطعمة، بل وما قبل العشاء من تقديمات الأفراح النسائية مما لذ وطاب مع القهوة والشاي قد تصل إلى أنواع عدة من الحلوى وربما يصبح مصير الكثير منها إلى النفايات! ناهيك عن مشكلات النهم المتدفق لاستهلاك الوجبات السريعة وجميعها طعام غير صحي (Junk food).

المشكلة أن الطعام والشراب أصبحا من باب المباهاة والمفاخرة حتى ولو فوق طاقة الأسر والاستدانة من الغير في المناسبات، خاصة في الأفراح، وربما يبقى العريس أو أهل الفرح في سداد الدين لربما لسنوات! فأين نحن من قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).

لا بد أن نتحرر من العادات والتقاليد التي اكتسبناها خلال تلك الطفرات الاقتصادية واستبدالها بأخرى أكثر اعتدالا، ففي المآتم يكفي أهل الميت مصابهم، فلماذا نثقل عليهم بحضور وجبات تقدم! وفي الأفراح لا داعي للبوفيهات المفتوحة وتقديمات متنوعة ونكتفي بـ«أولم ولو بشاة». ولنتذكر أن أبرك الزواج أقله مؤونة.

إن التغيير في سلوكياتنا أمر حتمي تفرضه علينا طبيعة المرحلة القادمة والتغييرات العالمية. فلا ننتظر أن التغيير سيهبط علينا من السماء بل بالتفكير الإيجابي وقناعتنا بأهمية الترشيد في الاستهلاك في كل شيء: فلا ذهاب لصوالين التجميل التي تلتهم جزءا كبيرا من ميزانية الأسرة، ولا تغيير للجوال مع كل نسخة جديدة، ولا مشاوير غير الضرورية، ولا سفر أربع أو خمس مرات في العام، خاصة أن الترفيه أصبح متوفرا لدينا - بحمد الله- بعد الخطط الجديدة من هيئة الترفيه وهيئة السياحة والتراث الوطني، وحسب رؤية المملكة 2030 لدعم اقتصادنا الوطني من موارد غير نفطية.

كل ذلك لمواجهة المشكلات الاقتصادية بأريحية تامة وانتشالنا من السلوكيات الخاطئة، مما يعود بالنفع على المجتمع والوطن. ولإحداث هذا التغيير نحتاج فقط إلى العزيمة والإرادة الذاتية ثم الشجاعة لتنفيذ القرار الأهم في حياتنا، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

Fatinhussain@