عام فات وآخر آت

الأربعاء - 10 يناير 2018

Wed - 10 Jan 2018

مضى عام كامل بكل ما يحمله من أفراح وأتراح، للبعض منا فيه قصصه الملهمة وللآخرين تجاربهم وخبراتهم المؤلمة، وعلى مدار اثني عشر شهرا مرت علينا كمشاهد من فيلم سينمائي توالت أحداثه سريعا، كان البعض فيه الأبطال والممثلين وآخرين يقومون بلعب دور المخرج، والبعض يتقمص دور الكومبارس أو «الممثل البديل»، وتعددت في حياتنا مواقع التصوير، فمنها الجوية والبرية والبحرية، واختلفت أوقاتها الصباحية والمسائية، وتغيرت أمامنا المشاهد فهنالك سياسية وأخرى عاطفية ومنها التراجيدية المحزنة وأحيانا الكوميدية الضاحكة.

لا أريد أن أجتر الذكريات سوى التي تحققت من خلالها النجاحات، وأحيانا أعتبر الإخفاقات في بعض الظروف بداية للنجاح ودفعة قوية للانطلاق؛ حقق كثير منا أهدافه ورسم خططه وأنجز آماله وما زال البعض لم ينفذها إلى يومنا هذا، وفي القائمة هامش جانبي كتب البعض اسمه عليه ليستمر في حياته يأكل ويشرب ويتنفس فقط دون أي تقدم.

2017 عام مضى مليء بالسعادة والتفاؤل للبعض وكان دون ذلك للبعض الآخر، استطاع كثيرون أن يحققوا جل ما خططوا له من أهداف مرسومة قدر لهم فيها الخير، وبطبيعة الحال هنالك من لم يستطع أن يحققها، ولكن تستمر الحياة وتمضي قدما بتقدير الخبير العليم.

تغيرت خلال العام الفائت خارطتنا السياسية وتبدلت معه علاقاتنا الاجتماعية وتنامت فيه معرفتنا الثقافية، وتطورت قدراتنا وزادت أعمارنا واقتربت آجالنا وما زال الكثير في مرحلة التسويف المستمر؛ لم يضع لأحلامه نهاية يحققها ولا لأهدافه غاية ينشدها.

ما أرمي له في معرض حديثي؛ لماذا لا نبني ونتبنى مفهوم ثقافة التخطيط ورسم الأهداف والاستعداد المسبق لأي طارئ؟

فنبدأ أولا بأنفسنا، ومن ثم ننقله كنموذج واقعي ملموس إلى محيط أسرتنا الصغيرة وعائلتنا الكبيرة، ومن ثم نعممه على تجمعات الأصدقاء والزملاء سواء كانت الهاتفية أو العملية أو الأسبوعية في الدواوين والاستراحات؛ وننقله بطريقة طرح الأسئلة والنقاشات والحوارات المثمرة.

نتعلم في تجمعاتنا أن نستثير حماسة المقربين بكيفية وضع الأهداف ورسم الخطط التي كانوا ولا يزالون يحلمون بتحقيقها، نبدأ بكافة الفئات العمرية أمامنا، كل بمرحلته الخاصة كالطفولة الحالمة مرورا بمرحلة الشباب المتوقدة وصولا لمحطة الشيخوخة الهادئة، فلكل مرحلة ميزتها ومدتها في التخطيط وبحسب الاستطاعة، فهنالك التخطيط قصير المدى والمتوسط والبعيد. لا أتحدث عن ثقافة غريبة أو شيء غير قابل للتنفيذ أو مستحيل، بل هو ما حثنا عليه ديننا الإسلامي الحنيف، حيث أمرنا بوضع الخطط المسبقة، والأخذ بالأسباب وتقدير الأحوال في كافة المجالات مع الاستعانة بالله عز وجل، وخير دليل على ذلك ما جاء في سورة يوسف وقصته عليه السلام حيث قال تعالى في محكم تنزيله (قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) الآية (47-49) سورة يوسف وقال تعالى في موضع آخر يشير إلى وجوب التخطيط والأمر بالاستعداد المسبق (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..) الآية (60) سورة الأنفال، وهذه أكبر دلالة على تبني مفهوم التخطيط السليم الذي يجب علينا إعداده وأخذ الحيطة من أجله، لكي لا يحدث الخلل والانحراف والمفاجآت في حياتنا؛ فتحديد الأهداف والتخطيط لها يكون بعقل واع وخطى مرسومة، سواء كانت على الصعيد المالي أو العلمي أو العملي أو الاجتماعي.

أتحدث هنا فقط عن التخطيط بإيجابية وتفاؤل مع الأخذ باستشراف الأمل ومحاسبة النفس عن طريق تحديد مؤشرات الأداء والإنجاز الذاتي للأهداف المراد الوصول إليها، لتحقيق ما تم رسمه بإذن الله تعالى، فهناك الكثير من الأهداف والآمال التي نحلم بأن ننجزها قد تحققت بفضل التوكل على الله ثم الأخذ بالأسباب والمتابعة المستمرة، فلولا نظرة الأمل لضاقت علينا الحياة بما رحبت، قال عليه الصلاة والسلام (اعقلها وتوكل)؛ ولنبدأ من اليوم بتعزيز ثقافة التخطيط ووضع الأهداف القابلة للتحقيق ونجعلها عادة أصيلة نتبعها، وبدعة محمودة نتبناها، ونوجه تساؤلنا أولا لأنفسنا ومن ثم لمن حولنا في عامنا الجديد، ما هي الخطط والأهداف لعام فات وآخر آت؟

ياسر عمر سندي - متخصص في السلوك التنظيمي

@Yos123Omar