من "الرهيب" و"المسكت" إلى "ايفون X" كيف تطلق الأسماء على الجوالات؟

"باندا الكاميرا" كان الحدث السعودي الأهم في مرحلة التحول إلى الهواتف الذكية
"باندا الكاميرا" كان الحدث السعودي الأهم في مرحلة التحول إلى الهواتف الذكية

الجمعة - 01 ديسمبر 2017

Fri - 01 Dec 2017

85027_mec_02-12-2017_p04
85027_mec_02-12-2017_p04
سيكون إنجازا عظيما لو وقفت اليوم في محل الهواتف الذكية وسألته عن جوال "المسكت" دون أن يضحك في وجهك أو يشك في كونك خارجا للتو من كهف ما، على الرغم من أن سؤالا كهذا كان أمرا بالغ الجدية قبل أقل من 20 عاما فقط، وهو ما يفترض – في السياق الموضوعي على الأقل-مصيرا مشابها خلال عقد للهواتف الذكية المتداولة حاليا كالايفون والجالكسي.

لقد انتهت مرحلة "العنيد" و"الرهيب" و"الفارس" وغيرها من الأسماء التي ارتبطت بمرحلة ظهور الهواتف النقالة، ولكن أحدا لم يخبرنا من هو مبتكر تلك الأسماء، ولماذا اختفت إلى غير رجعة في سوق تضاعف عشرات المرات، وظلت دائما بحاجة إلى التسويق التنافسي بمختلف وسائله، حتى لو كان ذلك بمجرد "نك نيم" يبعث شيئا من الثقة بالنفس بأنك امتلكت شيئا "رهيبا" بالفعل.

"مكة" تحاول تتبع القصة في السطور التالية، وتقترح عليكم التفكير في خلع لقب على الهاتف المرتقب "ايفون X" ومحاولة تداوله اجتماعيا، فكل الاحتمالات واردة، وقد ينجح الأمر ويعيد التاريخ نفسه!

جاري البحث عن مبتكري التسميات

كانت البداية من معقل الجوالات الأهم في مدينة الرياض وهو مجمع المرسلات، حيث ظهرت الهواتف النقالة للمرة الأولى اجتماعيا وتجاريا، وهناك كان اللقاء مع أحد أقدم بائعي هذه الهواتف مختار الكامل الذي لا يعرف مصدرا للتسميات، ولكنه يرى تطابقها أحيانا على شكل الجهاز كأن يبدو شبيها مثلا ببرج الفيصلية أو المملكة، أو باللونين الأبيض والأسود كالباندا، وإن كانت بعض التسميات، موضحا "كنا نسمع الأسماء من المشترين الذين يتداولونها على نطاق واسع، ولا أعتقد أن للشركات المصنعة أي دور في هذه التسميات، بدليل أنك حين تذهب إليهم لشراء قطعة تخص الهاتف فإنهم لن يعرفوه باسمه التجاري الشعبي بل برقم موديل الجهاز".

ونفى الكامل أي دور للاسم في قرار الشراء، مشيرا إلى أن إمكانات الجهاز التي كانت تبدو متقدمة حينها هي عنصر الجذب الأساسي، ومن ذلك وجود الكاميرا، والشاشة الملونة، واللغة العربية، كما يشير إلى أن حجم السوق كان محدودا بالنظر إلى قلة استيراد تلك الأجهزة وارتفاع أسعار استخراج الأرقام آنذاك، وفي حين لم يحدد اسما معينا حقق قبولا أكبر من غيره، إلا أنه يؤكد أن جوال الباندا كان هو الحدث الأهم في مرحلة التحول للهواتف الذكية.

قطاع تقني غير متشبع بالمعرفة

خبير التقنية فيصل السيف يرجح أن ابتكار هذه المسميات يرجع إلى التجار أو أصحاب المحلات والمسوقين، وقال في حديث للصحيفة "وجهة نظري الشخصية هي أن هذه الظاهرة اعتمدت على نشأة قطاع تقني جديد غير متشبع بالمعرفة، وقد جاءت تلك الأسماء لتبسيط الأمور على المستهلك، وهي لم تكن مقتصرة على أسواق المملكة فقط فالكثير من الدول الخليجية والعربية كانت تتداول مسمياتها الخاصة للأجهزة نفسها".

ويضيف السيف "لقد بدأت الشركات في البداية بالاعتماد على اسم معين للجهاز الصادر عنها، ومع تصاعد الإنتاج وكثرة الأجهزة التي تصدر عن شركة واحدة أصبح لكل جهاز تسميته المرتبطة بطراز التصنيع والمتمثل بأرقام عدة، وهو ما أدى إلى صعوبة وطول الأسماء، لم يكن من السهل أن يذهب المستهلك إلى البائع ليطلب جهاز 3320 أو 3310، كما أن تحديد الجهاز المطلوب بحسب الرقم قد يتضمن هامشا من الخطأ، خاصة أن كل إصدار يختلف عن الآخر، في كثير من الأمور".

أما عن اختفاء الظاهرة حاليا فهو مرتبط باختفاء السبب كما يؤكد السيف، الذي يضيف "أسماء الجوالات الآن اختلفت بعد أن عدلت من الشركات إلى مصطلحات أقصر وأسهل مثل ايفون 8 جالكسي 7 وكذلك جي 1 وغيرها، كما أن التعرف عليها ومراجعتها منحا الناس سهولة اختيار الجهاز الذي يناسبهم، بعيدا عن أي مجهودات لتسويق الجهاز بشكل أو بآخر".

لا يهم اسم الجهاز .. المهم ماذا يفعل

من جانبه، يقول أحمد الرفاعي وهو استشاري تسويق وتواصل في إحدى الشركات العالمية إن هنالك أسبابا عدة لانتشار ظاهرة تسمية الأجهزة النقالة كما هو الحال لاختفائها، وبالنظر إلى المنتج والمستهلك والبيئة السوقية، وأضاف "في عام 2005 وحده بلغ عدد موديلات الهواتف النقالة التي أنتجتها شركة نوكيا 68 موديلا، في الوقت نفسه أنتجت شركة أبل 15 موديلا فقط خلال السنوات العشر الماضية مجتمعة. لذا تعد الكثافة الإنتاجية للأجهزة النقالة من قبل المصنعين خلال فترة التسعينات حتى بداية الألفية الثانية أحد أهم الأسباب لإطلاق الأسماء أو الألقاب على تلك الهواتف للتمييز بينها".

وقال الرفاعي إن تطور المنتجات نحو النوعية لا الكمية، بالإضافة إلى عولمة المحتوى أديا إلى تغير تدريجي في السلوك النمطي للمستهلك الذي أصبح أكثر ذكاء وتطلبا وترقبا للمنتجات حتى قبل إصدارها الرسمي، وأصبحت الأجهزة ومحتواها التسويقي أكثر عمقا من أي وقت مضى نظرا لما يمكن أن تسهم به في أداء كثير من المهام في حياتنا اليومية، فلم يعد لقب "العنيد" أو "المسكت" كافيا لإقناع المستهلك بأهمية شراء أو تملك الهاتف الذكي على عكس تفاصيل أخرى كثيرة كتعداد المهام في الوقت نفسه أو سرعة شحن البطارية أو نسبة حجم الشاشة إلى الجهاز.

الناس يشترون ما يمثل قيمهم

"كل مرحلة تمر بحياة الناس يكون لها ظروفها الخاصة، وفي تقديري أن هناك نقلة نوعية كل 7 سنوات تحدث على مستوى الإنسان وما يدور داخله من معتقدات، وما يدور حوله من اهتمامات، وهذا يقاس على صعيد التقنية أيضا، فقد شهدت نقلة نوعية جعلت ارتباط الناس بها يتضاعف مرات عدة مقارنة بما كان عليه في الماضي القريب"، هذا ما ذكرته المدربة هلا الحربي في تعليقها على الدوافع النفسية المرتبطة باقتناء المنتجات.

وأضافت "كانت أسماء الجوالات تلفت المشتري وقد تجد من يقتني جهازا بعينه لمجرد اسمه، أما الآن فالناس يتابعون ما يحدث من مستجدات ويتعرفون على أدق التفاصيل التصنيعية والمميزات الأدائية التي يحملها الجهاز، ومن خلال هذه المعلومات يقرر المستهلك شراء جهاز معين ويمنح ثقته لشركة أو أخرى، والمفارقة هي أن التسميات كانت تجذب المشترين في السابق، ولكنها لو عادت الآن فقد تجعلهم الآن يفقدون الثقة بالأجهزة".

وأوضحت "هذه الصناعة لها تنافسيتها العالية الآن، إلى درجة أن الشركات التي لا تصل لدرجة الامتياز لا يمكنها المنافسة، النجاح هو الذي يفرض نفسه على خيارات المستهلك، هناك شركات تجتهد في الدعاية واستخدام عبارات لافتة ولكن هذا كله لن يكون ذا قيمة إن لم توجد الجودة".

أما عن الفكر الاستهلاكي الذي يشهده السوق حاليا، فتقول الحربي "الضرورة تمثل 20% فقط من دوافع الشراء، في حين أن 80% من الدوافع تتعلق بإرضاء شعور داخلي بالسعادة"، وتضيف "سواء تحدثنا عن أجهزة ذكية أو عطور أو أي منتج آخر، يجب أن نعرف أن الناس قد تغير وعيهم وأصبحت أولويتهم هي أن يجدوا سلعة يلامسون فيها قيمهم، بما في ذلك الفائدة من ذلك المنتج فهي تعد قيمة في حد ذاتها، ولهذا نجد شركات تقدم الخدمات نفسها ولكنها تتنافس في جذب المستهلك عبر الإعلانات التي تربطه لا شعوريا بقيم نفسية كالسعادة والخير واللقاء الأسري وغيرها"