لحظات حرجة

الجمعة - 01 ديسمبر 2017

Fri - 01 Dec 2017

ما إن فرغت من إجراء عملية جراحية طويلة، حتى تلقيت اتصالا من قسم الطوارئ يتعلق بأحد مرضاي الذين سبق أن أجريت لهم جراحة قبل عشرة أيام، لم تكن تلك الجراحة تقليدية، بل هي صعبة ومعقدة واحتمالات المضاعفات واردة، وعودة المريض في حالة طارئة بعد عشرة أيام من الجراحة تحتمل العديد من التكهنات.

حضرت مسرعا للطوارئ وقمت بمعاينته ثم طلبت إجراء فحوصات مخبرية وأشعة مقطعية للوصول إلى تشخيص دقيق لحالته.

تحدثنا معا بطريقة ودية للغاية، كانت علاقتي معه، مثل كثير من مرضاي، بلا قيود أو حواجز، شرحت له حالته الصحية، وحرصت على انتقاء المفردات التي تبعث على الطمأنينة والارتياح إلى حين وصول النتائج، إلا أن التفاؤل الذي أردته خذلني، فبمجرد اطلاعي على تلك النتائج حتى أدركت أنه يعاني من حدوث مضاعفات جراحية جراء العملية السابقة، وأنه يجب التدخل وبصورة عاجلة مرة أخرى لمعالجة الأمر. قلت له بعض الحقيقة، ولذويه الذين رافقوه الحقيقة كاملة وبكل شفافية، لم أشأ منذ البداية أن أطلعه على حقيقة الأمر، لأني بحاجة لأن يظل متماسكا كي يتغلب على مرضه.

الأيام التالية شهدت الكثير من الإجراءات الطبية، ساعات طويلة بين غرفة العمليات والأشعة والمناظير، ثم نقاشات مطولة مع زملاء في تخصصات أخرى حول أفضل وأنجع الحلول الطبية، وفي قسوة تلك اللحظات نمت علاقة قوية بيننا، أشعر بآلامه وخيبة أمله، ويشعر هو بقلقي وحيرتي، تتجلى تلك العلاقة وتتطور مع كل انتكاسة جديدة في خطة العلاج التي وضعتها والتي لم يتردد قط في قبولها لفرط ثقته.

لقد كان هذا الأمر ثقيلا جدا علينا جميعا، ربما أكثر مما ينبغي، إذ ما يكاد يطرأ تحسن في حالته الصحية وتقبل للخطة المقترحة، وما إن تسير الأمور بشكل جيد أو هكذا يبدو لنا، حتى يتعرض لمضاعفات نادرة الحدوث وبعيدة الاحتمال. المرات العديدة التي حضرت إليه حاملا خبر عدم تحسن أو انتكاسة لخطة علاجية جديدة يقابلها بابتسامة تشعرنا بالاطمئنان وبثقل المسؤولية، هذا ما دعا إلى المضي في الخطة العلاجية والتنقل من خيار إلى آخر دون تردد أو تأخير.

لم يكن ممكنا في تلك الظروف أن أستأنف برامجي والنشاطات الطبية والاجتماعية، والكثير من المؤتمرات والدعوات تم الاعتذار عنها. المهام والواجبات العائلية ألغيت أو تم تأجيلها حتى إشعار آخر. الالتزام في الكتابة الأسبوعية لهذه الصحيفة، وهو العمل الذي طالما أحببت القيام به، لم يعد ممكنا. لقد توقف كل شيء.

اللحظات التي نجتمع فيها نحن الطاقم الطبي المشرف على هذه الحالة ونناقش حالته، ونراجع العلامات الحيوية والفحوصات المخبرية تكررت كثيرا على مدى أيام، وحين نشعر بالحيرة والإعياء لا نتردد لحظة في زيارته، فقد كان قادرا أن يمنحنا الأمل بأن نتجاوز معا تلك اللحظات الحرجة. الزملاء الأطباء الذين ناقشت معهم حالته الطبية وقمت بنشرها في دوائر طبية خاصة، مستخدما التقنيات الحديثة، هم أيضا يتابعون حالته معي من وقت لآخر، ويبدون آراءهم ويعرضون خدماتهم وخبراتهم.

لقد عايشت الكثير من التجارب في حياتي المهنية في تخصص الجراحة، وتعلمت أن المريض الذي يجد الاهتمام الكافي، والتواصل الجيد من طاقمه الطبي في شرح آلية الإجراء الطبي أو الجراحي، مع شرح جميع المضاعفات المحتملة ونسبها المئوية، ثم كيفية حدوثها وطرق التعرف عليها دون تنصل من المسؤولية، يتقبل ويتفهم هذا الأمر ثم لا يلبث أن يصبح عاملا مهما في نجاح الخطة العلاجية.

لا أعرف فيما إذا كان بوسعي الاطمئنان بشكل تام إلى حالة مريضي الصحية، إلا أني أشعر الآن بالارتياح، فقد شهدت الأيام الأخيرة، وقبل مغادرته المستشفى، تحسنا في حالته الصحية ولله الحمد، شعر معها الطاقم الطبي وذوو المريض بارتياح شديد، إلا أن المتابعة الدورية في الأسابيع القادمة مهمة للغاية في الطريق نحو الشفاء التام الذي نرجوه من الله جلت قدرته وليس من أحد سواه.

@temyatt