مرزوق تنباك

خطوة خطوة

الثلاثاء - 28 نوفمبر 2017

Tue - 28 Nov 2017

«خطوة خطوة» لا أدري متى استعمل العرب هذه العبارة بمعنى التدرج في الأمر الذي يراد عمله، وعدم جمع الأشياء مرة واحدة، وهل هذه الكلمة أصيلة في اللغة العربية أو هي ترجمة من لغات أخرى وأشهرها الإنجليزية (استب باي استب).

لكن على كل حال المعنى واضح في الكلام، ومفهوم المقصود منه بغض النظر عن أصله وفصله واللغة التي جاءت به، وهو أن جمع كثير من الأشياء والقضايا والتعامل معها مرة واحدة ودفعة واحدة أو في أوقات متقاربة، ودون فواصل زمانية معقولة وممكنة ليس مما يحبذه الناس، ولا يستوعبه الكثير منهم، ولو كان في صالحهم، وليس مما يمكن هضمه بسهولة إذا جاء متتابعا، فقد يربك بعضه بعضا.

فلو أخذنا التعليم مثلا لوجدنا الأمم منذ القدم تقسم العلوم إلى مراحل وسنوات طوال لكي يستوعب الطلاب ما يتعلمونه بالتدرج المرحلي، ولا يستعجل في حشر الكثير من المعارف في أذهانهم مرة واحدة.

ومثل التعليم كل شؤون الناس وما يقومون به من أعمال يكون التدرج والتباعد في الخطوات عند تنفيذها في غاية الأهمية لنضوج العمل، وتجريب النتائج الأولى والتحقق من صلاحها وإتقانها والاطمئنان إليها، ثم تتابع العمل بالخطوات الأخرى على أسس متينة ورؤية صالحة للنجاح والاستمرار بعد نجاح التجربة بما يليها، والرؤية الفاحصة لما يتبعها ويعتريها عند التطبيق.

وأخطر من عمل الأفراد وأهميته وأكثر حاجة للتأني به هو عمل المؤسسات التي مجالها الشأن العام ومسؤولياتها التعامل مع حاجات الناس كافة وقضاياهم الشاملة، وما يتعلق بمصالحهم التي يكون ميدانها الواسع هو المجتمع الكبير وما يتصل في سياسته وما يراد له من تطور وتغيير إن كان في السلوك أو في التعامل والاتجاه ليس كل ما يطرح من أمور عامة من السهل فهمها والتعامل معها باحتراف.

وليس من السهل لدى الناس أن يستوعبوا بالسرعة الممكنة كل التعاليم والمطالب والمتغيرات التي قد تفرضها الحاجة في زمن قصير دون مراعاة أهمية الوقت في تطبيقها ووعيها، وإدراك الغاية منها والمصلحة فيها حتى ولو كان الهدف منها مصلحة الجماعة وترشيد رؤيتهم. وإذا تتابعت الطلبات والتغييرات أنسى بعضها بعضا وجنى بعضها على بعض.

منذ فترة ليست بعيدة بدأ عندنا هذا الاستعجال والتسارع في القرارات التي ينقض بعضها بعضا أو يتعارض معه، وقد يبدأ العمل بمشروع قبل إتمام سابقه. ولعلي في هذه الكلمة أشير إلى وزارة الإسكان كمثال لما أريد بيانه والإشارة إليه، فقد حاولت خلال السنتين الماضيتين محاولات عدة للبحث عن حلول ممكنة لأزمة السكن، ولا تكاد تبدأ بمشروع وتحاوله وتعلنه للناس حتى تلغيه وتحاول غيره قبل أن تتم الخطوة التي حاولتها أول مرة، ومثلها أكثر الوزارات الخدمية كالصحة والعمل وغيرهما، تتلاحق في هذه الوزارات التعليمات والقرارات ويلغي التالي سابقه قبل أن يترك له الوقت الكافي حتى يظهر ما فيه من جودة أو نقص.

بقينا أكثر من ثلاثة عقود في بطء شديد وركود ممل، نجتر الماضي ونعيد تكرار التجارب التي يعرف الناس أنها لم تعد تصلح لزماننا، ولا يستقيم بها حاضرنا، فضلا أن تصلح لمستقبل أجيالنا التي يمر العالم أمامهم في تقدمه وتعلمه واختراعاته وإبداعه، وهم يعيدون ويكررون ما عرفوه من قبل.

ونتفق أننا تأخرنا كثيرا عن معالجة القضايا المهمة والمتعلقة بمصالح الناس كالسكن والعمل وغيرهما، وأننا بحاجة إلى السرعة الممكنة لنعوض ما فاتنا ونردم الهوة الكبيرة التي فصلتنا بعيدا عن تحقيق الحد الأدنى لما تدعو الحاجة إليه، لكن هذه الحاجة لا تسوغ القفز السريع من مشروع تنموي إلى مشروع آخر قبل أن يتأكد القائمون عليه من سلامته وإمكانية تطبيقه ونجاحه والاستفادة منه.