تبا لك أيها المندي المنتظر..!

يؤمن الكائن البشري ـ خاصة في هذا العصر ـ بأن المال هو أساس كل شيء تقريبا، وبأن الهدف الأسمى من كل ما يقوم به إنسان هذا الزمان هو أن يحصل على مزيد من الأموال، هذا سلوك عام وربما يكون من السلوكيات النادرة التي تتشابه فيها الحكومات مع الشعوب. حتى الذين يكثرون الحديث عن الزهد ربما يفعلون ذلك لأنه يبدو وسيلة جيدة للثراء.

ولكن مع كل هذا فإنه يوجد اتفاق غير مكتوب بين سكان المعمورة يقر على أن الأمنيات والأحلام لا تعني إنكار حقيقة تفاوت الناس وتباينهم في مستويات الحياة التي يعيشونها، وأن هذا الأمر لن يتغير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

الناس تؤمن ـ ولو بشكل غير معلن ـ بأن الجهد والعمل والسعي لا تعني بالضرورة النجاح. وهذا أمر لا يخص بني البشر وحدهم فحتى في عالم الحيوان، القيمة والمكانة لا يحددهما حجم العمل ولا الجهد المبذول، فمعدل نوم الأسد في اليوم خمس عشرة ساعة تقريبا، بينما ينام الحمار ثلاث ساعات فقط ويعمل في بقية اليوم.

في الآونة الأخيرة بدأ الأمر يخرج عن السيطرة، وبدأت الفوارق بين البشر مزعجة أكثر من أي عصر مضى، وأكاد أجزم أن قارون شخصيا لم يكن يملك سيولة نقدية تكفي لشراء لوحة فنية بمبلغ يقترب من نصف مليار دولار، لكن هذا الأمر يحدث في هذا العصر ويمر الخبر عاديا وكأن شيئا لم يكن، والأكثر استفزازا من كل ذلك أن ينظر إلى هذا على أنه تقدير للفن.

ومن المؤكد أن الذي اشترى اللوحة بهذا المبلغ لم يدفع كل ما يملك، بل دفع نسبة أقل بكثير من النسبة المخصصة في راتبي لشراء اللبن.

لوحة الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي التي بيعت في مزاد علني في نيويورك بـ450 مليون دولار أمريكي تحمل اسم «سالفاتور مندي» أي مخلص العالم. والحقيقة التي يثبتها بيع اللوحة بهذا المبلغ الفلكي هي أن العالم فعلا أصبح محتاجا للخلاص.

وأظن أن خلاص البشرية الذي يمكن أن يحدث بدون «مندي» هو زوال النعمة عن قلة من الكائنات البشرية مهمتها في الحياة هي استخدام هذه النعمة في استفزاز بقية البشر. ولا مشكلة لدي في أن أبدو «حسودا»، كارها للآخرين في هذا الأمر تحديدا.

وعلى أي حال..

الشعار الأكثر صدقا والذي يصلح أن يعلق على مدخل كوكب الأرض ليراه جيراننا سكان الكواكب الأخرى حين يغلبهم حب الاستطلاع ويحاولون معرفة ما الذي يحدث لدينا، هو مقولة جلال عامر يرحمه الله: (فيه ناس عايشة كويس وفيه ناس كويس إنها عايشة).

@agrni