عبدالله المزهر

الغول والعنقاء واللص الخفي.. يا رشدي!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 12 نوفمبر 2017

Sun - 12 Nov 2017

بالطبع فإن كل المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم، هذا أمر لا خلاف عليه فيما يبدو. الخلاف ربما يكون في الانتقائية واعتبار بعض المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم، واعتبار آخرين مدانين حتى بعد أن تثبت براءتهم.

وحين تمارس هذه الانتقائية يتحول الأمر من مبدأ نبيل إلى تصرف لا أعرف ما هو الاسم الذي يمكن أن يستخدم لوصفه، خاصة أن عنوان مقال الأمس قد أغضب البعض ولا أفكر حاليا في إغضاب آخرين.

في ليلة الأحد التي سقطت فيها أسطورة «كائنا من كان»، وبعد أن كان هذا «الكائن من كان» شيئا أبعد من الغول والعنقاء والخل الوفي، أصبح ممكنا أن نتعرف على ملامحه وأن نكتشف أنه «ربما» كان الشخص الذي نشاهده كل يوم دون أن نعلم يقينا أنه اللص الذي يمد يده إلى جيب الوطن خلسة. شيء أشبه بالبرادعي في المسلسل المصري الشهير «وتوالت الأحداث عاصفة»، حين يكتشف الناس في الحلقة الأخيرة أن الذي كان يدير كل الأحداث ويردد عبارته الشهيرة «أنا البرادعي يا رشدي» هو آخر شخص يمكن توقعه.

الفارق «البسيط» هو أن أسماء ليلة الأحد لم تكن مستبعدة تماما من قبل الناس كما في قصة البرادعي، لكن لا أحد كان يملك الجرأة على الانتقال من مرحلة الهمس إلى مرحلة التصريح بشكوكه.

ووفق المبدأ الذي يقول ببراءة المتهم حتى تتم إدانته، فإن احتمال أن بعض أو كل هؤلاء أبرياء احتمال قائم، ولا يمكن تجاهله قبل صدور أحكام نهائية وقطعية. وعلى افتراض أن هذا حدث فإنه بالطبع لا يعني نهاية القصة لأن هذا يعني أن «كائنا من كان» ما زال حرا طليقا يعيث في الأرض فسادا. وبعد زلزال الرابع من نوفمبر لم يعد مقبولا أن يكون «كائنا من كان» شخصية مجهولة لا يعرفها أحد.

من المؤكد أن هذا الملف صعب جدا، ومعقد جدا، وأن ما تم كشفه ليس سوى رأس الجبل الجليدي، فالفساد كان الكائن الأكثر شهرة على مدى عقود، وصل الأمر إلى أن كثيرا من مظاهر الفساد لم يعد ينظر إليها على أنها فساد، وأصبحت شيئا طبيعي الحدوث. في العقود الماضية أصبح الفساد جزءا من العادات والتقاليد التي ربما لا يجوز المساس بها.

وعلى أي حال..

أظن ـ وأرجو ألا أكون آثما ـ أن الصحافة الحرة من أكثر الأدوات نفعا في محاربة الفساد، ليست مهمة الصحافة أن تردد ما تقوله الحكومة؛ لأن هذا الأمر - إضافة إلى أنه غير مفيد - سهل ويسير، ويمكن لأي أحد أن يفعله. مهمة الصحافة أن تبادر إلى كشف مواقع الخلل والزلل. أما قصائد المديح فإنها مهمة الشعراء.

@agrni