مرزوق تنباك

هل الشهادة تكفي

الثلاثاء - 07 نوفمبر 2017

Tue - 07 Nov 2017

إلى قبل سنوات قلائل كانت الشهادة هي السلاح الذي يرفعه طالب العمل أمامه ويسير وراءه واثقا أنه يحمل ما يكفي لقبول شهادته والحصول على ما يريد، وهي الطريق الذي يفتح لطلاب الوظيفة أبوابا واسعة يختار منها ما يشاء ويرفض ما يشاء، ولا يسأل من يتقدم للعمل في أي قطاع توجه إليه عن غير تلك الورقة الممهورة بختم المدرسة التي تخرج فيها، قد لا تكون الجامعة ولا الكلية بل كل شهادة يحملها الطالب في أي مستوى من التعليم العام لها مكانها الذي تحتله في السلم الوظيفي، تلك الورقة تدر له المن والسلوى ويلج بها إلى المستقبل الوظيفي الذي يبحث عنه الناس، هذه الموثوقية في الشهادة وعدم السؤال عما في رأس من يحملها من معلومات جعل أسطورتها مطلبا بحد ذاتها، وتوارى خلف هالة حمل الشهادة كل المقاصد التي كانت الشهادة مطلوبة من أجلها، كان المطلوب هو المعرفة التي تلقاها الطالب في مدرسته أو كليته أو جامعته ولم تكن الشهادة هي الهدف بحد ذاته، ولأن ذاكرة الناس قصيرة فقد نسي أن الشهادة ليست هي الغرض، ولا المطلوب بل الهدف هو التعليم، والمعرفة التي يفترض أن حامل الشهادة قد حصلها وأحسن العمل بها. لقد أهمل الهدف والغاية وحلت الوسيلة مكانهما، فأصبح البحث عن الشهادة لذاتها هو المطلوب. أما العلم والمعرفة فأمر تال للحصول على الشهادة، ولأن الغاية تبرر الوسيلة فقد صارت مراكز التعليم ومؤسساته في العالم الثالث تقدم الشهادات وتنتجها، ولا تهتم كثيرا فيما يحصل عليه حامل الشهادة من المعرفة، ولهذا السبب أصبحت المطالب عالية والسبل كثيرة للحصول على الشهادة لذاتها من مصادر متعددة بعضها حقيقي وبعضها وهمي والنتيجة وجود جيش من حملة شهادات، وليسوا حملة معرفة وعلم وتخصص يستفاد منه. لكن كما يقال لكل مسار نهاية تكشفه للسائرين فيه.

انتهى دور الشهادات، وبدأت واقعية المعرفة والعلم بما تعلمه الإنسان، وأحسن العمل به، تأخذ حيزا كبيرا من الجدل، هل المهم هو الشهادة أو المعرفة لذاتها، وهب أن الشهادة وجدت وتقدم حاملها للعمل الذي يحتاجه ولكن لم تكن المعرفة ولا التخصص متوفرين مع الشهادة، هنا تكون المشكلة التي ظهرت في الوقت الحالي.

فقد أصبح أكثر حملة الشهادات يعجزون أن يثبتوا أن معرفتهم جيدة في تخصصاتهم بينما تشهد الشهادات التي يحملونها على الواقع المعرفي الذي يتمتعون به. اختلال العلاقة بين ما تقوله الشهادة وما يتمتع به حاملها من معرفة ظهر جليا عند الفحص والتدقيق والامتحان.

ومع الضرورة القصوى لما آل إليه التعليم كان لا بد من المراجعة والعودة إلى دراسة أساس المشكلة، وتحديد الأسباب التي آلت بالتعليم إلى مستوى من الضعف لا يمكن تجاهله، وكانت المحاولات مختلفة أيضا، حين سقطت الثقة بالشهادة بدأ البحث عن برهان آخر على أن من يحمل الشهادة قد حصل على حظه من المعرفة، وهذا ما لجأت إليه بعض الجهات من وضع اختبارات ومقابلات لمن يتقدمون للعمل في أي مؤسسة حكومية أو أهلية، وأغلبهم لا يتجاوزون تلك الامتحانات، كما اضطرت وزارة التعليم والجامعات إلى وضع ضوابط أخرى كالقياس والتحصيل لمعرفة المستوى الحقيقي لتحصيلهم العلمي، وإجبار الطلاب على تجاوز الضوابط لمواصلة تعليمهم وانتقالهم إلى مستوى أعلى، وجميع تلك المحاولات تشهد بأن الخلل كبير في وسائل التعليم وفي مخرجاته، ولم تعد الثقة راسخة فيما تقدمه البرامج المعتمدة لطلابها من شهادات.

الجميع يعترف بوجود المشكلة ويبحثون عن حلول مناسبة، والحل الممكن هو العودة إلى الطريقة القديمة وهي مركزية الامتحانات على مستوى المناطق والمراقبة الصارمة لأداء الطلاب واستحقاقهم للنجاح معرفيا في كل مرحلة، حيث لا يتجاوزها الطالب حتى يحقق الحد الأدنى مما هو مقرر وتثبت قدرته وجدارته للنجاح والانتقال إلى ما بعد مرحلته التي هو فيها إلى ما بعدها من مراحل.

Mtenback@