عبدالله المزهر

منصور..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 07 نوفمبر 2017

Tue - 07 Nov 2017

يبدو طبيعيا أن يتحدث الناس بالخير عن الراحلين، هذا أمر منطقي لأنك لا تشعر بقيمة ما لديك إلا حين تصبح يديك فارغة منه. حين تصبح الأشياء والناس والأحبة أبعد نبدأ نستشعر القيمة التي كنا نمتلكها وهم أقرب.

هذا يفسر حزنك حين تعرف أن شخصا ما قد غادر الحياة مع أنك لم تلقته منذ سنوات، ولم يكن ليتغير شيء في حياتك لو أنك لم يكن مقدرا أن تلتقيه إلى الأبد.

في الحادثة المأساوية التي وقعت في جبال عسير وتسببت في رحيل الأمير منصور بن مقرن ورفاقه ـ رحمهم الله جميعا ـ لمس أهل عسير لحظتها أنهم فقدوا شيئا ثمينا ربما لم يكن في حساباتهم أن يفقدوه قريبا.

منصور بن مقرن كان إنسانا حقيقيا، والذين زاملوه أثناء دراسته في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أو الذين عرفوه لاحقا أثناء دراسته في أمريكا يعرفون هذه الحقيقة جيدا، يعرفونه وهو يسكن «اللاينات»، مساكن الكادحين التي يعرفها جيدا طلاب جامعة الملك فهد. لم يكن يريد أن يبدو مختلفا عن أي طالب في الجامعة، وحتى حين تركها تركها كما يفعل أي طالب آخر.

كانت الميزة التي يعرفها كل شخص عرفه عن قرب أنه لم يكن يمارس أسوأ ما يمكن أن يفعله أشخاص في مكانته، وهو ادعاء التواضع الفج الذي هو أسوأ من التكبر. كان متواضعا حقيقيا. في أي مجلس تلتقيه مصادفة فإنك لا يمكن أن تستنتج أنه «صاحب السمو الملكي» دون أن يخبرك أحد بذلك.

لا أدعي أني كنت أعرفه معرفة شخصية وإن كنت التقيته أكثر من مرة، ولكني رأيت الحزن الحقيقي في وجوه الأصدقاء والزملاء المشتركين الذين رافقوه وعرفوه عن قرب، كان حزنهم صادقا لا تعتريه الشكوك، لأنه كان بعيدا عن الكاميرات والتصنع، لم يكن كالحزن الذي يكتب في الصحف وفي نشرات الأخبار. وكان حديثهم صادقا، لأنه عن شخص لم يعد بإمكانهم أن يستفيدوا شيئا من حديثهم الجميل عنه.

أما منصور المسؤول، فيكفي أن مدة وجوده في عسير لم تتجاوز نصف العام، ولكن الكل هناك يعرفه ويذكره بالخير، والكل هناك كان يتوسم ويحلم أن غد المنطقة سيكون أجمل مع شخص أحب المنطقة وأحبته في زمن أقل مما يكفي لإجماع القلوب.

وعلى أي حال..

رحم الله منصور ورفاقه، من عرف الناس منهم ومن لم يعرفوا، من تردد اسمه في نشرات الأخبار ومن غادر بهدوء، وأحسن الله عزاء كل من فقد حبيبا أو صديقا أو مسؤولا صادقا مخلصا.

@agrni