اكتئاب السعادة

الاحد - 05 نوفمبر 2017

Sun - 05 Nov 2017

ما بين فيصل الذي يشتكي من ضغوط العمل وانشغالاته التي يكاد يومه لا يكفيها مسببة له التشتت والإرهاق الدائم، وما بين روان التي تشتكي من أنه لا أحد يقدر فكرها وإنجازاتها، وأن البلد لا تستوعب قدراتها وعقليتها المنفتحة، وما بين عبدالله الذي تفوق طموحاته سقف قدراته بكثير، ويلوم كل من حوله ويتهمهم بسرقة أفكاره ويصر على أنه سيصنع نجاحه بدون معاونة أحد.

وما بين هالة التي يبدو أنها تمتلك كل شيء، الزوج والأولاد والعمل، ولكن تلك الأصوات التي تتردد داخل عقلها موسوسة لها بكل أنواع الخوف والتوجسات، تكاد لا تفارقها مسببة لها ضيقا خانقا. وما بين سارة ومحمد وليلى وعبدالرحمن الذين كانوا وما زالوا يبحثون عن ذواتهم وعن معنى لحياتهم، ولا يعرفون لأين يتجهون ولا ماذا يفعلون. نقف جميعا حيارى متسائلين كيف بإمكاننا مساعدة أنفسنا والآخرين على الخروج من هذه الأزمات.

هل سمعتم بمصطلح اكتئاب السعادة؟ إنه تلك الحالات الغريبة من الضيق المفاجئ، اضطراب المشاعر، التغيرات المزاجية الحادة، الأزمات النفسية، الحزن الدائم، الغضب المستمر، والذي يصيب أشخاصا يعيشون مستوى معقولا من الاكتفاء المعيشي، ولا يعانون من ظروف قاهرة أو مآس مدمرة، أي يعيشون ما نستطيع أن نصفه بالحياة العادية. وقد يعود سبب ذلك لأننا نعيش عصرا فريدا من نوعه، حيث تحضرت غالبية المجتمعات وتعدت مشاكل الوجود الأساسية من أمن، وطعام، وعلم، مما أتاح للإنسان فرصة أن يكون مخيرا أكثر منه مسيرا. وكأنما كلما كثرت خياراته، كثرت حيرته. وكأنما حين أصبح كل شيء متوفرا، بدأ يمل ويتساءل ولسان حاله يقول (أهذا كل شيء؟). ثم انتقل للقلق والمقارنة مفكرا (أترى هناك أكثر؟). ثم انتهى بالخوف مترقبا انطباع الآخرين عنه وهو يفكر (أترى هذا يكفي؟).

غالبيتنا مصاب باكتئاب السعادة، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا على مستوى الكرة الأرضية، ولكن بدرجات تتفاوت بتفاوت مسبباته ووعي المصاب به. يهاجمنا هذا الاكتئاب إما في أوقات الأزمات على شكل أصوات تصرخ داخل رؤوسنا تخبرنا كم نحن مروعون لأننا أخطأنا! وكم نحن فاشلون لأننا لم نصل لما وصل إليه غيرنا!

تخبرنا بأننا لا بد أغضبنا الله في شيء وبأن ذنوبنا تلحقنا! وقد يصيبنا هذا الاكتئاب في أوقات السعادة والإنجاز لتعود الأصوات فتصرخ داخل رؤوسنا بأننا لا نستحق هذا النجاح! بأن الناس ستكتشف حقيقتنا وتدرك كم نحن ضعفاء ومزيفون من الداخل، وبأننا سنخيب ظنهم بنا! بأننا لن نستطيع الاستمرار أو لن نستطيع تكرار الإنجاز! بأنه ربما فيما نفعله هناك شيء مغضب أو محرم!

وفي كلتا الحالتين سترافق هذه الأفكار ثلاثة أشياء. أولا، عدسة مكبرة تسلط نفسها على عيوبنا ومخاوفنا الدفينة وتصنع منها حواجز بحجم ناطحات سحاب لا يمكننا أن نتخطاها. ثانيا، عوارض جسدية تظهر من فترة لأخرى وربما أحيانا بصفة مستمرة، مثل الصداع، وحرقة المعدة، وضيق التنفس، وحساسية الجلد. أو في حالات أخرى تصل للأمراض الخطيرة كالجلطات، والسرطان وأمراض القلب. ثالثا، ردود أفعال قوية، سواء بالهروب والسلبية وإسقاط كل شيء على السحر والحسد، أو الغرق في التحليلات المنطقية والدراسات النفسية والجري من معالج لمعالج ومن استشاري لآخر، مع إسقاط كامل على المرض النفسي والهروب للدواء.

الخبر المفرح أن لاكتئاب السعادة علاجا. ولكن مهلا، فالعلاج ليس محددا وليس هو ذاته للجميع. فلكي تعالج نفسك من اكتئاب السعادة عليك أن تبدأ رحلة إلى داخل نفسك. نعم لم يعد من الرفاهية أن تعيش الحياة على ما ألفته وتعيش نفسك على ما عهدته منها فقط. نعم عليك أن تبدأ رحلة تبدأ بفهم النفس الإنسانية وطبيعتها علميا وروحانيا. ثم تبدأ في سبر ترسبات الماضي ومواجهة مخاوفك وعيوبك للتخلص منها. استعن بالقراءة، بمشاهدة تجارب الآخرين، باستشارة المختصين، بتجربة علاجات وعلوم جديدة، بالنقاش مع أشخاص يعيشون السلام الداخلي ومتصالحين مع ذواتهم وغيرها من الوسائل. آملة لي ولكم الوصول إلى ذلك المكان الذي وصفه الأديب توماس إليوت في مقولته الشهيرة (وستكون نهاية كل بحثنا واستكشافاتنا بأن نصل لحيث بدأنا والتعرف على المكان للمرة الأولى).

hebakadi@