الناصح الكمين!

كنت مؤمنا إيمانا لا يخالطه شك بأن إرضاء الجميع ليس مستحيلا، هو صعب فقط ويمكن إدراكه ببعض الجهد والتضحيات.

كنت أقول لمن يسألني كيف يمكن أن يصل إلى هذه النتيجة: حاول أن تستمع للجميع، وأن تتقبل من الجميع، وأن تضع نفسك مكان الآخرين وتتخيل ظروفهم. تقبل بعض الخسائر وإن لم تجد فاخسر متعمدا. لا تحاول أن تنصح أحدا بأي شيء ومهما كانت النصيحة ضرورية قاوم رغبتك في أن تستعرض خبراتك واحتفظ بنصائحك لنفسك. لأن النصيحة هي بوابة الكراهية الأولى، لذلك حاول ألا تدخل إلى الناس من هذا الباب ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

بعضهم كان يخبرني أنه سيحاول، والبعض الآخر كان يخبرني أني دخلت إليه من باب الكراهية، وأنه يفترض أن أحتفظ بنصائحي لنفسي أيضا.

كلمة «كنت» التي في أول هذا المقال، تعني ضمنا أني الآن كافر بهذا كفرا بواحا صراحا، لو افترضنا جدلا أن أحدا عمل بنصائحي البلهاء ثم أحبه الناس جميعا لشكل ذلك عبئا ثقيلا ولأصبحت حياته جحيما لا يطاق. سيكون جل همه ألا يخسر هذه المحبة، وسيضحي بأشياء إضافية من أجل البقاء في قلوب الناس غير تلك التي ضحى بها وهو في الطريق إليها.

الجميل أن نظرياتي غير واقعية ولا يمكن أن تحدث، ولكن عدم حدوثها لا يعني بالضرورة أنه لا أحد يحاول أن يرضي جميع الناس، كثيرون يفقدون أنفسهم ويضيعون ملامحهم وهم يسلكون هذا الطريق الذي لا نهاية له.

لم أعد أنصح بعض الناس بأفضل الطرق التي تكسبهم قلوب بقية الناس، وقررت عوضا عن ذلك مذ كفرت بإيماني القديم أن أبشر بالطريق الآخر فهو الأسهل وفيه سعادة القلب وراحة البال، فكراهية الناس أجمل بكثير من محبتهم، سيكون شعورا ممتعا وأنت مكروه من كل الطوائف والتيارات والملل والنحل، والجميل أن الأمر لا يحتاج لكثير من الجهد والتضحيات، كل ما عليك فعله هو أن تكون أنت، تعبر عن قناعاتك ولا تستعر قناعات أحد، اجعل مبدأك يبدو أطول عمرا من عمرك، وحينها ستجد متعة غريبة وستبتسم رغما عن أحزانك حين يبغضك أعداؤك ويستثقلك أصدقاؤك.

وعلى أي حال..

لا أريد أن يحبني الناس جميعا ولا أن يرضى عني أحد، ولا رغبة لدي في أن يكرهني الناس أيضا، أنا فقط أنصح من يريدون أن يصبحوا كذلك. ثم إن «الناصح» ليس بالضرورة عاملا بنصيحته لأنه في الغالب يتبع تكتيكا يشبه تكتيك تاجر المخدرات، هو فقط يبيعها على المدمنين لكنه لا يستخدمها، تاجر المخدرات الذي يتعاطاها لا يعمر طويلا في هذه التجارة الفاسدة.

@agrni