أحمد الهلالي

فوق صدر الشمس مزن وبشر!

الثلاثاء - 17 أكتوبر 2017

Tue - 17 Oct 2017

للمكان سطوته وحضوره الأنيق في الروح، فكيف إن كان المكان أنثويا باذخ الفتنة، حين تستنشق أنفاسها المعطرة تتمنى ألا تزفرها، وحين تمرر يدك برقة على نعومة خديها، تخشى عليهما من خشونة يديك؛ وكأنك لأول مرة تدرك أنهما خشنتان، هدوء يحضنك بين جفني غيمة، وصخب يحرك في مفاصلك اشتهاء الرقص، ونضارة تحرم عينيك الغمض، كلما قلبتهما في تفاصيل الفتنة غار معجم السأم والملل، وكل تفصيل يقول (أنا) الأجدر بتوقفك.

إنها أبها، اسمها حالة سحرية، وتفاصيلها أحوال منمنمة بالبهاء، فريدة في استوائها على عرش الفتنة المكانية، فمن أي مكان تنظر إليها ستنظر إلى أعلى، حتى لو كنت في قلبها، وفوق جبينها، وعلى ما حباها الله من جمال طبيعتها، كملها بإنسانها الأنيق فكرا واهتماما وانتماء وحبا، ما يطابق قول الشاعر علي عمر عسيري:

أنت من (أبها)

ومن كانت له أبها بلادا كرما

تسكن القمة تستشرفها الشمس

وتستسقي السما

منذ هبطت الطائرة على صدر مطارها، وكل شيء يسير بدقة وهدوء، استقبال موظفي العلاقات العامة وإدارة الحركة بجامعة الملك خالد للضيوف، ببشاشة وترحاب لا تشوبه البروتوكولية مطلقا، بل أصيل في تلك الوجوه المشرقة، ثم لقاء الأصدقاء من أكاديميين ومثقفين في معرض جامعة الملك خالد للكتاب 14، وحفاوتهم بالقادمين واهتمامهم البالغ دون حتى أن يعرفوا اسما أو صفة، كلها أشياء تجعل لإنسان أبها مقامه البهي كأبهاه الأنيقة، فللمكان انعكاسه على أهله، وهم ـ بالطبع ـ روحه الدافئة.

تنظيم المعرض يأخذ أيضا بعده الجمالي، فمن لحظة دخولك الردهة، على يمينك استراحة الشاي والوجبات الخفيفة للزوار، وعلى يسارك معارض الفنون الجميلة، وحين يأخذك وهج الكتاب من كل شيء وتدلف إلى منطقة المعارض، تجد الجامعات السعودية تعرض منتجاتها الفكرية والعلمية، ثم دور النشر على اختلاف تخصصاتها وأحجامها، وكلها تعرض بأسعار مخفضة لم نعهدها في معارض الكتب، ثم حين تجول تجد المصالح الحكومية تعرض للزوار منتجاتها أو رسالتها التي أنشئت من أجلها، وفي نهاية المكان تتموضع قاعة الفعاليات التي أحياها النادي الأدبي بحزمة من الفعاليات المنوعة.

اشتراك الجامعة والنادي الأدبي في هذه التظاهرة المضيئة، له رسالته الإيجابية في التقاء المؤسستين لخدمة التنوير في المنطقة، وبث الوعي الثقافي والعلمي، الأمر الذي يكرس إيجابية التعاون، ويغرس في نفوس الأبناء حب المعرفة والأدب.

ورغم أني لم أتعمد التجوال ورصد تفاصيل أبها الساحرة، فإني رصدت بعض جمالياتها خلال خروجي إلى المعرض الواقع في (المركز الحضاري)، فأول ما لفتني عناية القائمين عليها، فترتيبها وتشجيرها ونظافة شوارعها وأرصفتها تعكس اهتمامهم بها، ولن أحدثكم عن (شارع الفن) والسحر الحلال والحياة الأنيقة في جنباته وأعلاه، ولا عن الأشجار الضخمة الظليلة الوارفة، التي تستريح العوائل تحتها في النهار، أما احترام المارة للنساء البائعات على رصيف الحزام فحكاية أبهاوية أخرى، والحقيقة أني عقدت العزم على رحلة عائلية خاصة لأبها، أكون فيها متجردا من كل الواجبات والمسؤوليات؛ لأستمتع بها على طريقتي، وأحاول وصفها بلغة تليق بها مكانا وإنسانا.

ahmad_helali@