محمد حطحوط

التسويق في القطاع الحكومي.. إعادة هندسة

السبت - 14 أكتوبر 2017

Sat - 14 Oct 2017

عندما دعيت لإلقاء دورة تسويقية في الرياض للقيادات العليا لوزارة سعودية لديها حراك للتغيير، قلت لهم في بداية اللقاء: الغالبية الساحقة من الأمثلة ستكون من القطاع الخاص، لأنه هو الأكثر تميزا في التسويق دون منازع، والفكرة بكل بساطة أن نلتقط الأفكار ونقوم بتحويرها وتحويلها وأقلمتها لتناسب البيئة الحكومية. تذكر أن فورد بدأ ثورة العصر الصناعي عندما اكتشف خطوط التصنيع، وهي فكرة اقتبسها من مسلخ للذبائح!

الأفكار التسويقية في القطاع الخاص مذهلة ومتنوعة، وهي مصدر خصب لأي إدارة في القطاع الحكومي -وحتى الخيري- تبحث عن خارطة طريق. تحديات السعودية ضخمة ورؤية 2030 لم يعد يناسبها موظف علاقات عامة باهت وظيفته إرسال أخبار صحفية ميتة دماغيا! غالب الوزارات والهيئات الحكومية لديها أزمة في بند الاتصال، وسبب ذلك غياب الكفاءة البشرية لموظف يدرك أبجديات التسويق ويفهم تطبيقاته المختلفة في القطاع الخاص، وكيف يمكن نقل ما يمكن نقله للقطاع الحكومي.

شرطة مدينة الرياض يظن البعض أنه لا يوجد لها منافس في التنظير التسويقي كما هو الحال لشركة مثل المراعي. وهنا يأتي دور المسوق الذكي في التقاط الفكرة وتطبيقها في بيئة مختلفة تماما. فكر معي قليلا.. عندما تشعر بالظلم، فخيارك الأول أن تذهب لأقرب مركز للشرطة. ولكن هناك خيارات أخرى، فقد تذهب لوزارة العدل وترفع شكوى، وقد تذهب لإمارة المنطقة، وقد تلجأ لشيخ القبيلة أو حتى إمام المسجد! دون شك أن أهم معايير اختيار أي خيار، هو مدى سهولة رفع الشكوى -ابتداء- وجميع المتطلبات الإدارية وانتهاء بالمدة الكلية التي استغرقتها حتى حصلت على حقك الكامل.

كيف تستطيع الشرطة إذن - بهذا المفهوم - أن تحسن من منتجها، وتوصل هذه الرسالة للعميل/المواطن.

وافعل ذات الشيء في كل التفاصيل الأخرى للمزيج التسويقي في تسعير المنتجات -المخالفات- وسهولة الوصول لك -التوزيع- وقياس تجربة العميل، وانتهاء بترويج أخبارك وما عندك من حكايا ملهمة لصناعة محتوى مميز يتناقله الناس -عملاؤك- ويكون ذلك كله مستنبطا من الأهداف الكبرى لهذه الوزارة أو تلك. لاحظ شرطة دبي كمثال، تغريداتهم ممهورة دوما بوسم #أمنكم_سعادتنا وسبب ذلك أن هدف حكومة دبي الاستراتيجي (إسعاد الناس). أي وزارة سعودية لا تراجع أهدافها لتتوافق مع رؤية 2030 هي تضيع الوقت والجهد، لأن هناك موضة تظن أن هذا لا يتجاوز

تقطيع كيكة في زاويتها العليا رؤية 2030، وإنما تغيير حقيقي يطال هيكلة المؤسسة بالكامل.

أي وزارة اليوم تريد تغييرا حقيقيا في استراتيجيات التواصل مع شرائحها المختلفة، لا بد أن تستحدث منصب مدير التسويق Chief Marketing Officer، لأن أقسام العلاقات العامة في غالب الجهات الحكومية اليوم تحتاج لجراحة تسويقية لتدخل القرن الحادي والعشرين. تخرج من عالم الصحافة الصفراء، وتدخل لبحبوحة تحليل المحتوى والإعلان عن طريق النقر بقوقل، وإعادة الاستهداف، وإدارة السمعة، وسلسة طويلة من التطبيقات المتعارف عليها في قطاع الأعمال.

هذا ليس خيارا، هذا ضرورة.. هذا توجه العالم، وهو شرارة بدأها الأمريكي ديفيد اسبورن في التسعينات بكتابه الشهير Reinventing Government: How the Entrepreneurial Spirit is Transforming the Public Sector ، لإعادة هندسة القطاع الحكومي باستخدام تقنيات القطاع الخاص، وهو كتاب قال عنه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون (هذا الكتاب أعطانا خارطة طريق في المجال الحكومي) تلاه بعد ذلك الأب الروحي للتسويق الحديث فيليب كوتلر في كتابه المميز (التسويق في القطاع الحكومي) وانتقلت شرارة التسويق في أمريكا لكل الوزارات والهيئات بل حتى المؤسسات العسكرية كالحرس الوطني والجيش الأمريكي إذ تم استحداث مدراء تسويق. نحن في الوطن العربي ما زلنا في عصر العلاقات العامة وهو جزء صغير من العملية التسويقية الضخمة! البداية من استحداث منصب مدير للتسويق، وتعيين متخصص في إدارتك الحكومية، ليحدث الفرق.

  • القطاع الخاص هو الأكثر تميزا في التسويق دون منازع.

  • البداية من استحداث منصب مدير للتسويق.

  • رؤية 2030 لم يعد يناسبها موظف علاقات عامة.

  • غالب الوزارات والهيئات الحكومية لديها أزمة في بند الاتصال.