عبدالله المزهر

رغباتنا أحكامنا تمشي على الأرض!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

السبت - 14 أكتوبر 2017

Sat - 14 Oct 2017

نحن ـ أعني أنا، ولكني أحب تفخيم نفسي بين الحين والآخر ـ مغرمون بإصدار الأحكام على الآخرين، نحب ذلك لأن الأمر ليس سهلا فقط، ولكنه ممتع أيضا. وهذه حالة نادرة لأن الأشياء السهلة ليست ممتعة في الغالب، والأشياء الممتعة تحتاج إلى جهد.

دور القاضي هو أفضل وأمتع الأدوار التي نجيد تقمصها في لعبة الحياة، ونحن مبدعون جدا في إصدار الأحكام، لكننا أقل إبداعا في تحري الدقة لأن البحث عن الحقيقة يجعل الأمر جديا أكثر مما ينبغي للعبة. الصبر قبل إطلاق الأحكام حتى معرفة «الحقائق» يفسد جمال اللعبة ويقتل نشوة التخمين.

قبل ظهور وسائل «التفاصل» الاجتماعي كانت هذه الهواية تمارس من الجميع، لكن في دوائر صغيرة، وفي كل دائرة لا أحد يعلم ماذا يحدث في الدائرة الأخرى، ولا من هم المتهمون ولا القضاة ولا الشهود. ولذلك كان الضحايا محددين، والقضاة معروفين في كل دائرة، وكانت المتعة أقل والجمهور أقل عددا وتفاعلا.

أما الآن فالملعب واسع جدا، وعدد القضاة أكبر من أن يحصى. فكل حساب في تويتر ـ على سبيل المثال ـ لا يجد حرجا ولا بأسا في أن يكون قاضيا وجلادا يصدر الأحكام ويطبقها على متهمين لا يعرفهم من قبل، ولم يلتق بهم، ولم تتقاطع حياته معهم في أي شيء. ودون أن يعرف أصل القصة ولا أساسها ولا كيف بدأت ولا كيف انتهت، بل إنه من الممتع أكثر أن نصدر حكما قاطعا لا يقبل الجدل في قضية لم تحدث أصلا وليس لها وجود.

الجانب الأكثر إثارة في هذه اللعبة الجميلة أننا نتبع رغباتنا، وموقفنا المسبق من المتهم هو من يحدد الأليات التي نستخدمها في محاكمنا الوهمية.

في هذه اللعبة لا نجده محرجا ولا معيبا أن نرفض دليلا واضحا لا يقبل الشك لمجرد أننا لا نرغب في إدانة المتهم، ولا نجده محرجا ولا معيبا أن نتقبل توجيه تهمة بلا دليل ولا برهان لمجرد أن رغبتنا المسبقة هي إدانة المتهم.

في هذه اللعبة فإن المبدأ هو أول شيء يجب أن نتخلى عنه، الرغبات هي كل شيء.

وعلى أي حال..

أنا ـ أعني أنتم ولكني أحب اختزال العالم في شخصي بين الحين والآخر ـ أحاول مخادعة ضميري وإقناعه بأن البشر الذين أسيء لهم في تويتر ومشتقاته بشر وهميون ولا وجود لهم. هذا يجعلني أرتكب الحماقات والخطايا تجاه الناس بمتعة أكبر لأن من يهن عليه ضميره لن «يعز» عليه شيء ولا بشر ولا مشاعر، وهذه متعة أخرى.

agrni@