شاهر النهاري

روسيا قبل وبعد الزيارة

السبت - 14 أكتوبر 2017

Sat - 14 Oct 2017

حتى لا يتبادر للذهن ادعاء الكمال، فأنا أعترف بأني قد كتبت كغيري في السابق محذرا من الدور الروسي في الشرق الأوسط، حيث إنها تميل كل الميل لصالح من تحالفهم مثل إيران وبشار سوريا، وتقف إلى جانبهم بكل ثبات نظري وواقعي وبالعتاد والسلاح، وباستخدام الفيتو عند الحاجة.

ولكن الوضع الآن يختلف كثيرا، فقد أصبحت روسيا صديقة لنا بعد الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لموسكو، التي مدت جسور السلام والصداقة والشراكة التجارية، باعتبار أن الخلاف بين الدولتين لن يزيد الأمور في الشرق الأوسط إلا ترديا وتعطيلا لحلول القضايا المصيرية، فقربت الزيارة بين رؤية الدولتين وبشرت بأن الحلول لم تعد إلا مسألة وقت.

نعم، غيرت رأيي في الدور الروسي وأظن أن أغلبية العرب يدركون ضرورة وجدوى هذا التغير، بل وتوقيته المناسب، فالسعودية دولة كبرى فاعلة في الشرق الأوسط، لا يمكن أن تحل أيا من تلك القضايا دون وجودها وموافقتها، وهي بلد معطاء قوي يشارك في نشر السلام بمنطلق إنساني، يتمثل رغبات الشعوب العربية المطحونة، وروسيا كانت وما زالت وستظل فاعلة بدورها، والتقارب بينهما فائدة تبشر بأن الحلول العقلانية ممكنة وقريبة.

القضايا الشرق أوسطية المشتركة تبدأ بعلة تواجد عناصر داعش، ولا شك أن روسيا قادرة على إزالتهم بمساعدة القوى المشاركة في الحلف العالمي لمحاربة الإرهاب، لتتمكن العراق وسوريا ولبنان من الخروج من هذا المأزق الشيطاني، والذي يحدث فيه عجب العجب، وما خروج القافلة الداعشية، وغض البصر عنها، إلا جزء من ألغاز عالمية كبرى.

ثم يأتي الشأن السوري، والسعودية قادرة على توحيد صفوف المعارضة، ليكون الحل بهم جميعا، إذا ما قامت روسيا بتقليص الدور الإيراني هناك، وترك الوطن السوري لأهله، يفعلون به ما يشاؤون سواء ببشار أو بدونه.

كما وأن الشأن اليمني المعقد، والذي دخلت فيه إيران بقوة الدعم والتدريب والتسليح والتدخلات العسكرية، ليزداد تعقيده وتعطيل حلوله، متعارضة مع إنجازات مرحلة إعادة الأمل، لذلك فإن الدور الروسي مطلوب هناك، بضبط الدور الإيراني، وتحجيمها ومنعها من التدخل ليصبح الحل مداولة بين فئات الشعب اليمني وحكومتهم الشرعية، ودون تشتيت أو تأليب إيراني.

أما في الشأن العراقي، فأظن أن روسيا قادرة على التدخل في سبيل توحيد أجزاء الوطن العراقي، وتعطيل أو إعادة ترتيب قضية الانفصال المزمع اتخاذه من قبل الشعب الكردي.

روسيا أيضا فاعلة فيما يحدث في لبنان، ولو أرادت تحجيم الدور الإيراني هناك فلا شك أن الدولة اللبنانية ستمسك بزمام الأمور مجددا، وأن حزب الله سينكمش ويترك جنون السيطرة التي عاث بها فسادا طوال السنوات الماضية من تفخيخ واغتيال وتحييد لقوى الدولة، حتى لم يعد يردعه أي كان.

زيارة الملك سلمان لروسيا، لم تكن تجارية بحتة، فقد اعتلت ما سبقها من زيارات دبلوماسية لولي العهد السعودي مبنية على تفاهم سياسي وعسكري، وكلنا ننتظر أن يؤتي كل ذلك ثماره بسرعة عودة الاستقرار إلى شرقنا الأوسط، الذي احترق وتهدم وكثر فيه القتل والتشريد والتهجير، ولم تعد له ملامح الأوطان.

كلنا أمل بأن تتحقق نتائج الزيارة، بأسرع صورة ممكنة، لنبدأ حقبة بناء جديدة للشرق.

Shaheralnahari@