أحمد صالح حلبي

إنهم متقاعدون يا صندوق التنمية العقاري

الخميس - 12 أكتوبر 2017

Thu - 12 Oct 2017

أوقفتني كلمات انطلقت بألم السنين، تحكي قصصا لشرفاء منحوا حياتهم لخدمة دينهم ومليكهم ووطنهم، كان هدفهم العمل على إحداث نقلة لجهات عملهم، هدفهم انصب في العمل على الانتقال من مرحلة الصعوبة والألم إلى السهولة والراحة، ليصل الجيل الحاضر الذي نراه اليوم لمدارسه وأعماله بسهولة ويسر، تحملوا حرارة الصيف وأشعة الشمس وعملوا دون تكييف أو مكاتب فاخرة، لم ينظروا لكسب مالي يأتيهم ولم يسعوا للتحايل والحصول على مبالغ مالية لخارج دوام دون عمل أو انتداب دون سفر، ولم يمدوا أيديهم لطلب رشوة من هذا أو هدية من ذاك، خرجوا من دوائرهم برؤوسهم المرفوعة بعد أداء رسالتهم الوظيفية، فكانوا بحق شرفاء بأسمائهم، سجلاتهم ناصعة البياض لا تلوثها كلمة تأخير عن الدوام، أو غياب دون عذر، هكذا كان أولئك الموظفون قبل إحالتهم للتقاعد.

لكن حالهم تغير بعد تقاعدهم، فلم يعد الكثيرون ينظرون نحوهم سوى القلة القليلة، أصبح البعض ينظرون إليهم باستهزاء، يرون أنهم مجرد أشخاص تسببوا في تأخر نهوض الوطن، متناسين أن هؤلاء المتقاعدين هم من وضعوا البذور الأولى لكل عمل نراه اليوم.

ولا أريد أن أسترسل في معاناة المتقاعدين الاجتماعية، فأحداثها كثيرة، لكني أتوقف سائلا من يملك الإجابة، كيف يستطيع المتقاعد المحدد راتبه دون علاوة سنوية أن يواجه متطلبات الحياة وارتفاع الأسعار خاصة إن كان لا يملك سكنا؟

كيف يمكن لمتقاعد شاءت الأقدار أن يكون شريفا ليس مختلسا أو مرتشيا أن يعيش سعيدا وسط أسرته؟وكيف..؟ وكيف..؟

أسئلة عدة تدور في أذهان المتقاعدين وأسرهم، ولا تجد إجابة كافية شافية، فمن يسمعون معاناة المتقاعدين يصمون آذانهم، ومن يرون معاناتهم يغمضون أعينهم.

وما أكثر ما سمعنا عن «العمل على حل معضلات المتقاعدين»، ونقف أمام معاناة واحدة يراها البعض سهلة، فيما يراها المتقاعد صعبة خاصة إن كان من الشرفاء الذين لم يختلسوا من مال الدولة ولم يتقاضوا رشوة.

وتتمثل هذه المعاناة في الإجراء الذي انتهجه صندوق التنمية العقاري بحق المقترضين من المتقاعدين، فبدلا من أن يعمل الصندوق على المطالبة بالسداد السنوي كما كان سائدا ومعمولا به، أصبح يستحصل القرض شهريا!

ويقول أحد المعلمين المتقاعدين «كمواطن متقاعد فوجئت بنقص راتبي لشهر محرم 1439 بمبلغ ثلاثة آلاف وتسعمائة وعشرة ريالات، وعند الاتصال بمصلحة معاشات التقاعد أفادوا بأن المبلغ هو استقطاع شهري لصندوق التنمية العقاري»!

فإن كان هذا المعلم مقترضا مبلغا من البنك ويحسم من مرتبه نفس المبلغ أيضا فكيف يمكنه العيش بنصف راتبه؟

إن الدولة ـ رعاها الله ـ حفظت للمواطن كرامته في طفولته وشبابه ورجولته، وهي قادرة بإذن الله أن تحفظ كرامته في شيخوخته من خلال وضع تنظيم خاص للمتقاعدين يتضمن العمل على منحهم علاوة سنوية لمواجهة متطلباتهم الأسرية وحفظ مكانتهم الاجتماعية، وإعفائهم من قروض صندوق التنمية العقاري، وتوفير خدمات خاصة لهم مع إيجاد نواد متخصصة لهم أسوة بنظرائهم في العالم، وإيجاد تسهيلات بنكية لهم.

فهل نضع الصعاب أمام من عملوا بجد واجتهاد؟، وهل يكون جزاء الشرفاء التسول بعد حياتهم السعيدة؟

[email protected]