شاهر النهاري

الانزلاق عن حافة جسر الذهب

الاحد - 01 أكتوبر 2017

Sun - 01 Oct 2017

يقول لي بدهشة إن ابنته الصغيرة تشعر هذه الأيام بأنها تعيش أجمل وأعظم أيام حياتها، وعندما يراها تمشي، يتبادر إلى ذهنه أنها تسير على جسر ذهب يؤدي إلى الجنة.

وقد سألها عن أسباب سعادتها، التي تصورها كأفضل أيام حياتها، فتجيبه بشعورها بأنها إنسانة مكتملة لأول مرة في حياتها.

في السابق كانت سعيدة في بيتها ترفل في حلل تربيته وحرصه وكرمه ومحبته، ولكنها اليوم تشعر بأنها ملكة، ليس فقط في بيتها، ولكن في مجمل واقع حياتها، وعلى مواقع التواصل، ومن خلال ما يقال في الإعلام عن المرأة السعودية اليوم.

ويستزيدها، فتخبره أنها لا تريد أن تقود سيارة، وأنها سعيدة بأن تقاد السيارة بها، وهي مرتاحة مطمئنة تعطي الأوامر، وتبلغ منتهى ما تريد. ولكنها اليوم تشعر بأنها بعد قرار الدولة بالسماح للمرأة بالقيادة، أقدر وأعظم، ودون نقص وحسرة وألم قيود وهمية كانت تقيدها.

شعور الإنسان بامتلاك حريته لن نستطيع نحن الرجال تخيل كافة زواياه بأدق المعاني، فالمرأة عاشت طوال عمرها الماضي، وهي تعلم أنها أقل، وأنقص، وغير مكلفة، فكان هذا القرار العظيم دليلها على أن ما كان يحدث هو الزيف بعينه، وأنها لا غلط فيها ولا نقص.

ما أجمل أن تسير المرأة حافية على جسر من الذهب، فوق أمواج بحر أزرق فسيح، وبين رفرفة عصافير وبلابل، وتحت غيمة من النقاء، تحملها إلى خيال لا محدود.

ربما تنزلق قدم إحداهن من فوق الجسر، وربما تهوي أخرى إلى قاع المحيط، هذا أمر وارد، لمن تتعلم المشي لأول مرة في حياتها.

كمجتمع لا يجب أن نضخم عدسات مواقع التواصل، ولا يجب أن نحد شفارنا لذبح عفة كل من تنزلق، ولو بكلمة، أو حركة تجربها لأول مرة في حياتها.

ملايين النساء يختبرن أمرا كان بالنسبة لهن أبعد من تلألؤ الثريا، وفجأة وجدن أنفسهن في مداراتها.

لا بأس أن تكون بين هؤلاء الملايين من ستخطئ، ومن ستزل، وهنا يأتي دور الرجل والمجتمع السليم، بأن لا يتتبعوا العورات، ولا يحاولوا إثبات خطأ قيادتها، فيحكمون على الملايين بخطأ البعض.

دور الرجل السعودي أن يثبت شهامته، وعفته، وكرامته، وتجاوزه عن الخطأ، وأن يحاول الستر بإغلاق عينيه وأسماعه، وربط لسانه، بدلا عن استغلال الظرف، وقتل الجمال، وتعميم السوء.

لسنا ملائكة رجالا ونساء، شعب مثل كافة شعوب الأرض، فينا من يحسن المشي والجري على جسور الذهب، وفينا من ينزلق ويتشبث، ومن يسقط على عنقه، ويتردى.

قانون تجريم التحرش هو ما كنا ننتظره، وقد وفق الله دولتنا بأن بدأت بتصميمه وتأكيده، حتى نعرف مساحات حرمة الآخرين، وحدود حرياتهم، وكيف أن مجرد نظرة تعتبر تحرشا، فما بالك بالتقاط الصور والمقاطع ونشرها.

ولنعرف أن مجرد كلمة خارجة تعاقب بالسجن، والغرامات المالية والتشهير، فما بالك بمن يحاول إجبار، أو ترويع أحد.

المملكة مقدمة على عصر ذهبي، كنا نتمناه، وقد حصل، بهمة الملك سلمان، وولي عهده محمد، وعلينا جميعا أن نعاضد دولتنا لتثبيت زوايا الحرية الشخصية، وأن نكون على قدر الحدث، رجالا ونساء، وأطفالا، وسيكون المستقبل لا محالة جسور ذهب تحت أقدامنا.