هبة قاضي

السعوديات كائنات بشرية

دبس الرمان
دبس الرمان

الجمعة - 29 سبتمبر 2017

Fri - 29 Sep 2017

(ها هي أول امرأة سعودية تتهادى في تلك العباءة المرقطة بالفخر والكبرياء على مسرح الإنجاز والنجاح والتألق. أرجوكم قفوا لها إجلالا وتعظيما، ونرجو منكم إطلاق عبارات التشجيع والتأييد مصاحبة لصفقة مدوية تعبر عن مدى الحماس والسعادة والفخر الذي نشعر به تجاه ذلك الكائن البديع والخارق للعادة)، حسنا لمن لم تصله الرسالة فالعبارة السابقة هي سخرية محضة وليست حقيقية. وربما يستغرب البعض من أن امرأة تتحدث بسخرية عن المرأة، ولكن بالتأكيد فعلت ذلك لغرض شريف ونبيل ما زال يصب في مصلحتنا نحن النساء.

تلاحقت المتغيرات على مجتمعنا في السنوات الأخيرة بصورة سريعة جدا جعلتنا جميعا منقطعي الأنفاس، وكأنما نحن في سباق للمواكبة والتأقلم. وكان للمرأة نصيب الأسد من هذه التغيرات بل والتطورات من حيث دورها المجتمعي، ومكانتها والأهم حقوقها التي بالتأكيد كان آخرها قيادتها للسيارة، وما زال موضوع الولاية يشق طريقه نحو التمام والتجلي. وفي محاولة لتوثيق هذه المكتسبات ظهرت ظاهرة تمجيد إنجاز المرأة السعودية بصورة غير منطقية. فها هو الإعلام يمجد أول امرأة تحصل على زمالة في مجال سبقه إليها الكثيرون من رجال ونساء العالم. وها هو مرة ثانية يهلل لأول مجموعة من السيدات السعوديات اللاتي يقمن بالركض في الأماكن العامة. لست هنا بصدد الانتقاص من المجهودات والإنجازات لبنات جنسي وبلدي بل بالعكس، إنني أحاول الحفاظ على القيمة الحقيقية للإنجاز ونوعيته بغض النظر عن الجنس والجنسية أولا، وحفاظا علينا من الانحدار وخفض سقف توقعاتنا من أنفسنا ثانيا. فإن كانت كلمة أول سعودية خدمتنا في السنوات الماضية في دعم وتوثيق النموذج النسائي المشرف في ريادته وقيمة إنجازه، إلا أننا بدأنا في الانحدار نحو فخ الابتذال من خلال تمجيد ممارسات وأنشطة أقل ما يقال عنها إنها عادية أو طبيعية.

وما فعله ذلك للأسف هو معاملة المرأة السعودية في الإعلام المحلي بل والعالمي ككائن غريب يحبو أولى خطواته في عالم البشرية، وتتم مراقبة متغيراته وقياس علاماته الحيوية كل دقيقة في تجربة فريدة من نوعها في التأقلم، في مشهد حي يشاهده كل سكان الكرة الأرضية!

لن أقلل من قيمة ما نلناه حتى الآن، وما نصبو لنيله في ظل قيادتنا الحكيمة التي جعلت أولى أولوياتها تمكين المرأة كواحد من أهم عناصر التحول الوطني 2020 ورؤية 2030 اللتين تضمنان إتمام التطور الطبيعي والمؤكد لقدراتنا وبالتالي لبلادنا. لذا حان وقت الجدية. حان وقت الجدارة. حان وقت تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية. حان الوقت لعبور جسر الدهشة والشعور بالرغبة في إثبات التواجد، إلى فضاءات التميز والإبداع، واستحقاق الوجود بجودة العمل وتميز الإنجاز. لنخفف قليلا من التمجيد واللهاث وراء أي خبر، ولنركز على انتقائية كلماتنا وتعاملاتنا مع إنجازات المرأة بأن نعاملها كنوعية وأثر وليس كغرابة وندرة. فأكثر ما نحتاجه الآن كنساء هو الاندماج، الدعم النوعي، تساوي الفرص، عدالة الحقوق. فإن كانت الرائدات من نسائنا المكافحات استطعن تحقيق ما حققنه بدون كل ما سبق، فكيف بنا الآن ونحن على مشارف الدخول أخيرا بكامل الأهلية والثقة لعالم القرن الواحد والعشرين! أيتها السعوديات، ارفعن سقف طموحاتكن، فالعالم في انتظارنا.

hebakadi@