عبدالله الجنيد

نورة ضمير الرؤية

الخميس - 28 سبتمبر 2017

Thu - 28 Sep 2017

انتخاء المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، بأخته الأميرة نورة، رحمها الله، لدلالة على مكانة المرأة في وجدان مشروع الدولة الحاضر إلى اليوم، وما كان مشروع جامعة نورة الذي أنجز في زمن قياسي في عهد المغفور له الملك عبدالله إلا تأصيلا لتلك القناعة في قادم المملكة العربية السعودية. وها هو الأمين المؤتمن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يجسد التأكيد بعد التأصيل بقراره رفع سقف تمكين المرأة اجتماعيا عبر قيادة السيارة.

الكثير سيذهب في قراءة القرار بما سيتجاوز النص، لذلك راعى واضع القرار ضرورة الانتباه للسياق اللغوي لدرء كل الأبواب «اعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة، على الذكور والإناث على حد سواء». ولم يكن القرار بهدف تحسين صورة المملكة في حيز الرأي العام الدولي PR بل هو استحقاق تنموي وطني في كل أبعاده، وذلك ما يجب أن يلتفت إليه قراء القرار سياسيا واجتماعيا. هجرة العقول نتيجة اختلال التنمية الاجتماعية يهدد قدرة المملكة على تحقيق تنمية مستدامة استراتيجيا، وقصص نجاحات السعوديين إناثا وذكورا في شتى المجالات الإنسانية دوليا تؤكد ذلك. فتأثيرات غياب برامج تمكين المرأة أمر أدركته القيادة السعودية والمجتمع ممثلا بنخبه لعقود طويلة، وكلنا يحضره ما مر به تعليم المرأة ودور الراحلة الكبيرة غفر الله لها الأميرة عفت في ذلك الأمر.

كذلك ما جوبه به مشروع مشاركة المرأة في مجلس الشورى، ومن ثم مشاركتها في الانتخابات البلدية مرشحة وناخبة.

مثل جملة تلك المشاريع توطئة لإعادة تأهيل المفاهيم الاجتماعية وليس القفز على إرادة المجتمع السعودي وثقافته. وتمثل المدن الاقتصادية الجديدة حواضن قابلة للتطوير والاستدامة اجتماعيا وتنمويا، لذلك استتبع ذلك إطلاق رؤية السعودية 2030 وبرامج الإصلاح المالي والإداري لتتناسب وتطلعات الإنسان السعودي. لكن ظل ملف تمكين المرأة من حقوقها المدنية الأكثر ضغطا وطنيا ودوليا، لذلك وجدنا هذا الاهتمام الواسع من شخصيات دولية ومن الإعلام العالمي من قرار الأمين المؤتمن منح المرأة استحقاق القيادة فيما تبقى من شؤونها بعد تمكينها اقتصاديا.

الرؤية السعودية 2030 ترتكز على تنمية الإنسان السعودي كونه أهم مكونات الثروة الوطنية، وما كان للمجتمع السعودي أن يحتضن مبادئ تلك الرؤية ومكوناتها لولا وجود مشاريع التنمية الاجتماعية وأولها تمكين المرأة. ومن يقود هذه الرؤية ومهندسها سمو ولي العهد السعودي يملك الثقة السامية وثقة المجتمع السعودي. وتلك الثقة لا تنحصر في النخب بل تتجاوزها في إجماع وطني حقيقي على برامج الرؤية، وما قرار قيادة المرأة إلا تأكيد على حقيقة ذلك الإجماع الوطني منذ صدوره.

في إحدى زياراتي للرياض قبل نهاية الثمانيات من القرن الماضي وكانت بدعوة من الصديق العزيز رحمة الله عليه صالح العزاز، وفي إحدى الجلسات مع مجموعة من الكتاب وكان محور النقاش الاستهتار بقواعد المرور ومعدلات الحوادث المميتة في المملكة. حينها علقت «بجد لا يتسنى للزائر اكتشاف جمال شوارعكم إلا في وقت متأخر من الليل، ولو أعطيتم المرأة حق قيادة السيارة ربما قد تكون دافعا لتقليل نسبة الحوادث». قد يكون صالح العزاز أكثر السعوديين دعما لذلك الاستحقاق، وأكاد على يقين أنه لو كان لإرادة الله أن يكون بيننا الآن لقال وهو يدخن سيجارة من ماركة ميرت «أين الكاميرا لأسجل هذا الحدث».

@aj_jobs