شاهر النهاري

دور المثقف في المثاقفة

الثلاثاء - 26 سبتمبر 2017

Tue - 26 Sep 2017

كان يوما مشهودا التقينا فيه على نبضات حروف مواقع التواصل، من مختلف أنحاء البلدان، تجمعنا فيه معرفة الكترونية، ولغة عربية، وقاعدة ثقافية، وحس من التثاقف، حيث طلب منا أن نشرك مداركنا في عصف ذهني، نتناول فيه دور المثقف في المثاقفة، والتثاقف، بين الشعوب.

والحقيقة أني أعتبر المثقف، أي مثقف، عبارة عن واجهة معرض متنقل، يحمل في حافظته وهيئته ولسانه وعينه صورا متعددة من تراثه ووطنه ولغته وعرقه ومجتمعه وكثيرا من وهجه وأحاسيسه وإبداعه، وأغراضه وعقده، ومما يصعب حصره.

المثقف عندما يرحل ولو في زيارة سانحة إلى أي مجتمع قريب أو غريب، يسمح لمن يقابلهم هناك بأن يدخلوا إلى جوف معرضه، وأن يتعرفوا من خلال مفرداته وأفكاره وأخلاقه وأعماله وإبداعاته على شخصية المثقف في كيانه ومشاعره، وعلى ملامح وطنه، ومنابع إلهامه، ومصداقية قيمه ومعتقداته.

وعلى الوجه الآخر، فإنه بشغف ثقافته، ورغبة في الاستزادة، لا يلبث أن يبدأ في تجميع الجديد مما يقابله في معارض ثقافة الآخرين، وبما فيها من عمق، أو سطحية، ويمتد ذلك ويتشعب حتى من خلال مشاهداته أثناء تنقله بين طبقات المجتمع، في الشوارع، والمنتزهات، وحتى في قاعات الثقافة، التي ينزل بها ضيفا.

وربما تزداد ثقافته بتلك المثاقفات، وقد يجد نفسه يغير بعض ما كان عالقا بفهمه من زيف عن تلك الثقافات، وبالتالي يزيد أو يعدل من ثقافته القديمة عنهم كوطن ومجتمع وثقافة.

وعند عودة المثقف إلى وطنه، نجده يحمل زوايا جديدة عن تلك الثقافة المكتشفة، وبعد أن يهضمها جيدا، ويستخلص منها ما يستحق أن يبقى ليشيد به، وأن يلفظ منها ما ينتقده، وفي بعض الأحوال، وحسب تحوراته النفسية، ربما يسيء لها من خلال تدني ثقافته.

أزعم أنه لا وجود للثقافة الكاملة، ولا وجود للثقافة الطاغية، ولو نظرنا لثقافاتنا العربية، لوجدنا فيها تكاملا يكاد أن يكون من خلال تجمع شتات تلك الثقافات المتأثرة بالماضي والحاضر والدخيل والتي لو حدث ودمجت لكانت بعظمة أعرق الحضارات، ولكن المثقفين العرب يحيرون في بعض زواياها ويختلفون، ويسيئون ويظهرون العيوب بقصد وبدون قصد، ويقومون بتمجيد الذات غالبا، مما يجعل ثقافاتنا العربية فئوية قطرية عنصرية في كثير من أوجهها.

العالم العربي يمتد على مساحات شاسعة، ويحتك ويتثاقف في أطرافه، ومن خلال تاريخه القديم مع عدد من الثقافات العالمية، مما يجعله متأثرا في بعض أجزائه بالغريب، ويجعله قويا خالصا في بعضها، ويتردى في البعض الآخر.

نفسية المثقف، وعشقه للثقافة، وإيمانه بالتكامل، ورغبته بالاطلاع على ما عند الشعوب الأخرى من ثقافات هو المحرك للمثاقفة، وهو في نفس الوقت المعطل والمشوه لذلك.

القاعدة الثقافية التي يرتكز عليها المثقف في مثاقفته تكمن في قدراته على البيان والتبيين ووجود الروح والانفتاح، والمحبة للثقافة وللغير.

المثقف العربي يحتاج إلى أمور عديدة ليكون عنصرا مفيدا في المثاقفة بين الشعوب، ومن أهمها نيته، ومصداقيته وشجاعته في الطرح وتأدبه، ودون التماهي في عمليات المجاملة، بحيث لا ينقل فيها للآخر معلومات مشوهة عن ثقافات غنية، لمجرد رغبته في تمييز ثقافته الإقليمية، المحدودة، وإعلائها، على حساب الثقافات العربية والأجنبية الأخرى.