مرزوق تنباك

لماذا كانوا مسلمين بلا إسلام

الثلاثاء - 19 سبتمبر 2017

Tue - 19 Sep 2017

ملئت كتب العرب في هذا العصر بنقل كلمة تنسب إلى الإمام محمد عبده شيخ الأزهر أو لغيره عندما زار أوروبا في أوائل القرن الماضي فقال: إنه وجد مسلمين بلا إسلام، أي أنه رأى أخلاق الإسلام وقيمه وتعاليمه في سلوك القوم الذين زارهم وأعجب بهم حتى أصبح قوله مثلا يتردد في كل مناسبة، وقد لا تحصي عدد من ينقل هذا القول موافقا لقائله حين تقوده المقارنة والاختلاف بين الغرب الذي لم يعرف الإسلام، ولكنه يعمل بقيمه وتعاليمه، وبين سلوك المسلمين الذين عرفوا الإسلام وأهملوا قيمه وأخلاقه في تعاملهم وفي قيمهم وفي سلوكهم وشؤون حياتهم.

لن نتكلم عما رأى الشيخ محمد عبده وما أعجب به أحقا هو أو باطل، ذلك أمر لا يهمنا كثيرا ولا قليلا، ما يهمنا وما سنتحدث عنه هو لماذا كان سلوك الغربيين منضبطا وأخلاقيا وقيمه مستقيمة وفاضلة وإنسانيته عالية وراقية؟ وهل هي جبلة في الغرب وطبيعة طبع عليها أم هي أشياء جاءت نتيجة لعامل آخر غير عامل الطبيعة والجبلة.

قبل أكثر من عشر سنوات انقطعت الكهرباء في مدينة نيويورك وأظلمت لعدة ساعات فهب الناس ينهبون المتاجر وما فيها، وشاعت الفوضى وسقطت كل القيم والانضباط الذي أعجب بها محمد عبده، وعاد الإنسان إلى طبيعة التوحش والغزو والنهب لممتلكات الآخرين، وكأن سكان نيويورك لم يعرفوا حضارة ولا قيما ولا انضباطا عرفه الناس عنهم حين كانوا تحت الأضواء الساطعة والمراقبة المكشوفة.

وفي هذه الأيام حدث إعصار فلوريدا فأصاب الناس خوف وهلع مما قد يسببه من كوارث فأخلوا المتاجر والأسواق من المواد الغذائية والمياه المعلبة وخزنوا ما استطاعوا تخزينه بطريقة غير مشروعة قبل وصول الإعصار، ولم يهتم أحد منهم بحاجة الآخرين ولا مشاركتهم ولا توزيع ما في الأسواق بينهم وغابت فضائل الأثرة والرفق الذي نزعم أن الغرب تميز بها عن غيره من الشعوب ولا سيما شعوب العالم الثالث.

إذن الناس هم الناس في الغرب وفي الشرق، العرب والعجم وبنو الأصفر والأحمر، والفارق هنا ليس في الجبلة والطبيعة ولا اللون والجنس ولكنه في شيء آخر غير ما ظنه محمد عبده ومن تلاه ممن رددوا قوله، ذلك الذي غفل عنه في ملاحظته هو إعمال القانون وصرامة تطبيقه على الجميع والمحافظة على قداسته وعدم التهاون به،

حتى نشأت عليه أجيال متعاقبة وتربت عليه الشعوب الغربية في حقب كثيرة، وعودت العامة منهم والخاصة على احترام ما تؤمر به، وساعدها على تأديب الناس وتهذيب سلوكهم قضاء مستقل عادل أخضع الجميع لسلطان العدالة وساوى بينهم فلا يخترق نظامهم صاحب سلطة ولا يعفى منه صاحب منصب ولا جاه.

وعملت الحكومات على تأصيل الولاء للوطن والشفافية ومحاربة الفساد علانية فلا مكان للغش أو الكسب غير المشروع ولا استغلال للسلطة.

تحققت العدالة الاجتماعية بينهم وقام القسط وتمت التربية فاحترموا القانون وطبقوه على الصغير والكبير ولم يتجاوزه أحد إلا تمت محاسبته، وإذا ثبتت إدانته أعلن القضاء جرمه على الملأ. ذلك هو ما جعل الناس يظهرون في تلك الصورة الفاضلة التي ما زلنا نراها ونعجب بها ونتمنى لو كانت عندنا. إذن لا الإسلام هو الذي رباهم تلك التربية، ولسنا نحن الذين لم نأخذ بتعاليمه.

عندما يعرف الناس أن القانون قوي نافذ عليهم جميعا، وعندما تكون الرقابة قوية وصارمة ومستقلة ومحايدة يكون سلوك المجتمع إسلاميا، وإن لم يعرف الإسلام، وعندما تغيب هذه القيمة يعود الناس للتوحش والمغالبة، وتلك جبلتهم التي جبلوا عليها.