ليس دينا بل رسالة متجددة

الاثنين - 18 سبتمبر 2017

Mon - 18 Sep 2017

مع بداية كل عام دراسي، أراجع النظام التعليمي وأتقصى حال الطلاب، فأحضر الإذاعة الصباحية، وأتأمل طريقة إعطاء الدروس، وأراقب اللوحات الترحيبية والشعارات التحفيزية فأجدها لم تتغير منذ أن كنت طالبا في الابتدائية. ربما هذا النظام التعليمي والأساليب التربوية كانت نافعة مع جيلنا ومع الأجيال التي سبقتنا، وأعرف أنها مبنية على دراسات وأبحاث تربويين مختصين، ولكن هل هذه الأساليب لها نفس الأثر على الجيل الحالي؟

إن المفهوم الاجتماعي لمصطلح «جيل» هو المرحلة العمرية لأشخاص لا يمكن لمس فروقات كبيرة في الأفكار والأذواق والاهتمامات بينهم، وتقدر هذه المرحلة العمرية لدى كثير من علماء الاجتماع بثلاث وثلاثين سنة تقريبا. تناقشت مع صديق مقرب حول هذا التعريف، فوصلنا إلى أن الزمن الحالي ومع السرعة العظيمة للمتغيرات الثقافية والاجتماعية والتقنية نشأ لدينا أجيال داخل الجيل الواحد. فلو قارنا -ولا أحب المقارنة- بين الفروقات بين جيلنا وجيل أبي لوجدنا أن الفروقات موجودة ولكنها مقبولة ويمكننا التكيف معها. أما الآن فالطفل ذو السنوات السبع يختلف عن الشاب ذي الأربع عشرة سنة، فلا الاهتمامات متشابهة ولا اللغة نفسها، ولا حتى الذوق. ومع سرعة التغييرات وكثرتها كبرت الفروقات مما جعل الأطفال والشباب يعيشون في عالم مختلف تماما عن عالمنا وعالم آبائنا.

فلو نظرنا إلى حال المدارس، والمساجد ومجالس الرجال، فهي كانت بالنسبة لنا ولمن سبقنا المشكل الرئيس لشخصياتنا وثقافتنا، أما الآن فأشك أن تجد شابا أقل من عشرين سنة يمكن أن يستفيد من الدروس المعطاة في هذه الأماكن. فهو لا يفهم درس المعلم لأن المعلم يستخدم أسلوبا يمله الطالب، ولا يصغي لموضوع خطبة الجمعة لأنها لا تلامسه، ولا يركز في مجالس الرجال لأنه لا يفهم لغتهم.

يجب علينا الالتفات جميعا إلى أهم قضية في مجتمعنا ومراجعة أساليبنا فيها، فلا يمكن تجاهل هذا الخلل الكبير، والإصرار على تكرار الأساليب التربوية رغم ضعف جدواها في الزمن الحالي. فالطريقة التي تعلمنا بها لا يجب على أبنائنا التعلم بها ليصبحوا مثلنا. علينا استيعاب ثقافتهم، وتقبلها والنزول لها. على المعلم في مدرسته الاستماع لطلابه أكثر من إلقاء النصائح، وعلى الأب التخلي عن السلطة الأبوية التي لم يعد يتقبلها الطفل، وعلى خطيب المسجد تلطيف اللغة وملامسة الواقع وتجديد الخطاب. إن لم نفعل ذلك، فالشاب سيجد ضالته في وسيلة أخرى ولدى أشخاص آخرين سيكونون في متناول أيديهم.

إن قضية التربية قضية عامة ويمكن للجميع المساهمة في تطويرها، فتحية للمعلم الذي يقضي ساعات طوالا في اليوتيوب والسناب شات ليستوعب طلابه، وتحية للأم وللأب المستمع والمتقبل لاختلافات أبنائه وبناته، وتحية لصاحب منبر سخره في تجديد الخطاب الديني وملامسة القضايا الاجتماعية ليلامس الشريحة الأكبر في المجتمع. هؤلاء هم المؤثرون فعلا وهم من عرف بأن التربية رسالة متجددة وليست علما ذا أصول ثابتة.

قفلة: كل الأزمات يسهل تجاوزها، إلا الأزمة التربوية، فإنها سبب للأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية والإعلامية وغيرها من المصائب.

@RMRasheed