عبدالحليم البراك

كان الانتظار مملا!

الاثنين - 18 سبتمبر 2017

Mon - 18 Sep 2017

غنى الفنان محمد عبده ما كتبه الشاعر فائق عبدالجليل: «قبل الوعد جيت بدقائق، وبعد الوعد جات بدقائق» والفكرة أن الانتظار صعب، وهذا كان في سالف العصور، أما الآن فلا يبدو الانتظار سيئا، ففي هذا المثال الشاعري الرائع لفائق عبدالجليل، لو كان معه هاتف ذكي مزود بمواقع التواصل الاجتماعي لقال: قبل الوعد جيت بساعتين، وبعد الوعد جات بساعة ولم أشعر بالوقت، بل وهي معي أنا مشغول عنها.

هذا على مستوى العشاق، أما على مستوى الأسرة، فقديما كان رب الأسرة ينتظر في السيارة قبل الخروج، ويغضب للتأخير وصارت سمة الأزواج العصبية بسبب تأخر السيدات في الخروج، ولكن بعد هذه الوسائل العجيبة الغربية تغير الوضع، بل صار الزوج يقول «وراكم مستعجلين» أو يقول «طالعين بدري!»، بل إنها تقترح عليه ألا نبقى بالسيارة، بل نذهب للمشوار بدلا من استمرار الوقوف بجوار البيت، فيقول «دعيني أكمل المقطع ونمشي! بل إن في هاتفه الجوال العشرات من التطبيقات التي لم يتم المرور عليها بعد، ولم يعرف بعد ماذا يحدث في العالم الخارجي!

أما على مستوى الطالب الجديد، والموظف الجديد، والمناسبات العامة، التي لا تعرف فيها أحدا، فإن معك ما يشغلك عن الناس المشغولة عنك أصلا، فتكون «أديت الواجب بالحضور» وانشغلت بهاتفك عن الناس، والأهم؛ ذهب وقت الانتظار بلا ملل أو تبرم، ولا حاجة للحديث مع صديقك الجديد إن كنت طالبا أو زميلك الجديد بالعمل، أو تجاذب أطراف الحديث مع أقاربك إن كنت في مناسبة اجتماعية عائلية!

أما المسافرون خارج البلاد، فقد كان التواصل في المقاهي والأماكن العامة وسيلة لتقوية اللغة الأجنبية، أو لتبادل أطراف الحديث في السفر، وتبادل الثقافة حول عادات الشعوب، لكن الآن، ما إن تفتح حوارا مع شخص بجوارك حتى تطيش عيونه في السماء استغرابا بل سيتبادر إلى ذهنه «هذا فاضي؟ ما معه جواله ينشغل فيه، أكيد خلص الشاحن». حتى الطائرة، فيها ما يشغلك عن الناس والحديث معهم وتصبح الـ17 ساعة طيران وانتظار وقتا مناسبا لمراجعة الصور والفيديوهات؛ بل الآن صارت الطائرات توفر انترنتا وشاحنا، يعني لا مبرر للتبرم من الانتظار ولا مبرر للحديث مع من هو بجوارك، بل تحدث مع العالم كله عبر التطبيقات إلا من هو بالجوار، وتكلم مع كل الافتراضيين بالعالم إلا من هو شخص حقيقي قريب منك!

أخيرا، صار الانتظار ميزة الآن، فهو وسيلة لتنظيف الهاتف من امتلاء الذاكرة، وهو وسيلة للحديث مع الناس الذي تختارهم لا ما يختاره لك الناس والمجتمع، وفيه أيضا أن الانتظار الذي كان يوترنا صار يسعدنا ويفرحنا!

@Halemalbaarrak