أحمد الهلالي

انحطام فخ الأممية!

السبت - 16 سبتمبر 2017

Sat - 16 Sep 2017

حين أقر وزير التعليم محمد الرشيد -رحمه الله- تدريس مادة الوطنية في التعليم العام كان يشعر حقا باختلال في مفهوم الوطنية، ورغم ما واجهه من انتقادات واسعة، إلا أنه شعور مبرر حين نتأمل الكثير من السلوكات والخطابات التي كانت سائدة وبدأت اليوم بالانحسار في ظل الوعي الاجتماعي المتنامي بمعنى الوطن.

اختل مفهوم الوطنية -زمنا- بفعل الخطاب الديني، ذلك الخطاب العابر للحدود، المتجاوز للأولويات، والمنكر (ضمنيا) لمعنى الدولة الحديثة، فقد كانت القضايا الوطنية تحتل المرتبة الثانية بعد القضايا الأممية، ولا يأت الحديث عنها إلا عابرا أو مقتضبا، ما جعل الذهنية الاجتماعية تنصرف إلى وجهة الخطاب، حتى باتت معلومات الكثيرين عن قضايا الآخرين أعمق من معلوماتهم عن الكثير من قضايا الوطن ومتطلباته.

هذا الخطاب كان يطير بجناحين، الأول: جناح المؤامرة العالمية على العرب والمسلمين وأن الحدود بين الدول عين تلك المؤامرة، والجناح الثاني الرغبة الساذجة في وحدة كل الدول الإسلامية تحت راية وقيادة واحدة إعادة لمعنى (الخلافة) المزعومة، وعلى سذاجة هذا الطرح، إلا أن نافذة العاطفة الدينية كانت مشرعة اجتماعيا لتقبله، وانتظار تحققه، بل وسعي البعض في تحقيقه عمليا من خلال الانخراط في التنظيمات المختلفة داخليا ودوليا، بعضهم راح ضحيتها قتلا أو اعتقالا، في غياب تام للعقل عن التفكير في أصول الخطاب والأفكار، وإمكانية تحققه في عالم اليوم السابح في فلك منظومة دولية تقوم على مؤسسات ومعاهدات وتحالفات ومصالح وعلاقات استراتيجية معقدةجدا.

مجتمعنا اليوم يصحو على تهاوي تلك المفاهيم البائسة، فيحطم الفخ ويدرك الخديعة التي سلكه فيها منظرو الأممية، ولم نجن من ورائها خيرا سوى درس (الوطن أولوية لا تتقدمها أولوية) وكل الدنيا تأتي بعده، لا يبنيه إلا مواطنوه، ولا عزة لهم إلا بعزته واستقراره، أما قضايا الشعوب (أشقاء وأصدقاء) فالدولة هي الأجدر والأقدر والأعلم بالتعامل معها، ودولتنا المباركة من أحرص الدول على نصرة القضايا العربية والإسلامية، ومد يد العون لكل الأشقاء والأصدقاء، وفق رؤى واستراتيجيات تقدم فيها مصلحة الوطن على كل مصلحة.